يعد شهر رمضان من أحد أهم الفترات التي يراجع فيها الفرد حياته من جوانبها المختلفة، وغالبا ما يكون نقطة البداية لتغييرات وتصحيحات لعادات وسلوكيات وخاصة الصحية. تبدأ الحملات الصحية مع بداية كل شهر فضيل، كالتحكم في الوزن وتعزيز النشاط البدني والتوقف عن استهلاك منتجات التبغ من تدخين وغيرها. هذه المبادرات جميلة ومهمة ولكن كلا منها يعنى بجانب وسلوك صحي معين في غياب للصورة الصحية الكاملة عن الفرد، وغالبا ما تكون هكذا مبادرات تقليدية وذات طابع موحد وبخطوط عريضة مما يضع الفرد في حيرة بين خصائصه الصحية والمرضية، إن وجدت، وبين محتوى المبادرة من توجيهات ونصائح. الحيرة تتفاقم عندما يبادر الفرد بالاستفسار من الممارسين الصحيين القائمين على هذه الحملات ليقرر هل يأخذ بمحتواها أم لا، ومن ثم يباغتونه بسؤال عن نتائج آخر فحص عيادي له أونتائج آخر تحاليل وأشعات، حينها يكون القرار هو الوقوف عند أقرب محل لبيع الـ "مندي" والعودة لرأس المعسل اليومي.
ما زال الرقم الصحي الموحد قيد الدراسة، وقد يستغرق إقراره سنوات وعقودا، وهو الذي متى ما وجد، سيكون العمود الفقري لأي تطوير صحي، سواء علاجي أم وقائي، لوجود كافة البيانات والمؤشرات الصحية للفرد في ملف صحي موحد. وحيث إن لا بارقة أمل في رؤية هذا المشروع على أرض الواقع في القريب العاجل، فالحل يكمن بالملف الصحي الشخصي.
الملف الصحي الشخصي عبارة عن أداة يتحكم بها الفرد بجمع كافة بياناته الصحية المتوافرة لديه من ملفاته من المستشفيات والعيادات المختلفة التي يقوم بزيارتها، وأرشفتها وتحديثها بانتظام. إنشاء هذا الملف لا يتوقف على الفرد نفسه وإنما يتجاوزه لمن يقوم برعايتهم، كالأطفال، وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة.
للملف الصحي الشخصي فوائد وأهمية، لعل أبرزها في حالات الطوارئ، حيث إن الوقت عامل مهم للقرارات الطبية وآثارها القصيرة والطويلة المدى، فعدم وجود معلومات واضحة ودقيقة عن تاريخ الفرد الصحي لطبيب الطوارئ أو المسعف، يجعل من المهمة مهمة حرجة، إما لزيادة نسبة الخطورة لحصول مضاعفات وأخطاء طبية، أو لتأخر تقديم العلاج والانتظار لحين الانتهاء من إعادة التحاليل والأشعات، غالبا ما يكون تم إجراؤها في مرفق صحي آخر في وقت قريب، ناهيك عن هدر المال العام والخاص في هذه المسألة.
توافر المعلومات الصحية لدى الفرد في ملف صحي شخصي يسهل من عملية اتخاذ قراراته الصحية والعلاجية، فهي أمامه في ملف موحد عوضا عن كونها مبعثرة في سجلات طبية مختلفة، بل وتساعده في تقييم جودة الخدمات الصحية المقدمة له بمتابعة مؤشراته الصحية على ضوء الممارسات الصحية والعلاجية المبنية على الأدلة والبراهين، فنقص فيتامين د والذي حير المجتمع وأفراده، لتضارب طرق قياسه وعلاجه، في حين أن كل ما يحتاجه الفرد هو نسخ من تحاليله الدورية، معرفة المقياس المتبع – وأنه ذاته في كل مرة – والجرعات التي يستخدمها ووضعها في ملفه ليتابعها ويقيم خطة علاجه ومن ثم يقرر أو يستشير طبيبا آخر مستنيرا بما يملك من معلومات موثقة.
مرضى الأمراض المزمنة هم الفئة الأكثر استفادة من وجود هذه الملفات لديهم، فهم يسجلون ويرصدون الأعراض الجانبية لأدويتهم، ويجعل من تحكمهم في النوبات الحادة، كانخفاض نسبة السكر في الدم، أكثر فاعلية. كل هذه الأهميات تصب في مجرى حيوي وهو مرونة هذه الملفات من ناحية التخزين، خاصة الإلكترونية، وسهولة تنقلها مع الفرد من مشفى لآخر أو من دولة لأخرى.
للملفات الصحية الشخصية أنواع، فمنها الورقي والحلول الإلكترونية. الملف الصحي الشخصي الورقي هو من أقدم وأبسط وقد يكون، للأسف، المناسب على الغالب لوضع الخدمات الصحية الحالية في المملكة، وفي حال قرر الفرد استخدام هذا النوع فلا بد من حمل بطاقة ورقية في المحفظة أو الجيب دوما لأهم النقاط في وضعه الصحي كالأدوية وجرعاتها والحساسيات الغذائية والدوائية.
الحلول الإلكترونية وهي الأفضل والأكثر انتشارا في دول العالم الأول، وهي للتبسيط نوعان، الأول وهو مجرد تخزين للبيانات الصحية من معلومات فحص عيادي وتحاليل بصيغة إلكترونية على حاسب شخصي أو ذاكرة فلاش أو بعض البرامج التي يتم تحميلها على الحواسب لإدارة الملف الصحي الشخصي ومعظمها بلغات غير عربية.
النوع الثاني من الحلول الإلكترونية وهو الأفضل والذي نأمل بأن يتم تبنيه من قبل مجلس الخدمات الصحية، وهو الحلول الإلكترونية على شبكة الإنترنت، وهي عبارة عن برنامج لإدارة الملف الصحي الشخصي ولكن بميزة القدرة على ربطه بخدمات القطاعات الصحية المختلفة، فيقوم الفرد بإدخال بياناته وما يلاحظه من أعراض وتحسنات ومن ثم تقوم القطاعات الصحية بتزويد المريض بنتائجه، وذلك بتخزينها في ملفه الصحي الشخصي الإلكتروني يرافقها نصائح ورسائل مصممة لحالته ونتائجه.
الملف الصحي الشخصي هو مكمل للملف الصحي في المستشفيات والعيادات ولا يغني عنه، وإنما هو معيار جودة رعاية صحية للقطاعات المسؤولة عن الصحة ومفتاح للأفراد للتحكم بزمام أمورهم الصحية المبعثرة.