أساء طبيب في مستشفى أهلي التعامل مع المراجعة "سامية"، فخرجت من عيادته عازمة على تقديم شكوى ضده، وكان أول ما صادفها في ممر المستشفى صندوق معدني أنيق معلق أمام مكتب الاستقبال مكتوب عليه " صندوق الشكاوى والاقتراحات"، تجاوزته دون أن تلتفت إليه، وأخذت تسأل عن مدير المستشفى لتقديم شكواها مباشرة.
كانت المريضة تحمل قناعات سلبية عن هذا الصندوق الذي تضعه بعض المؤسسات والقطاعات الحكومية والأهلية، وترى أنه مجرد ديكور و"برستيج" يوحي أن هناك اهتماما بملاحظات المراجعين، ولكن الحقيقة ـ كما ترى ـ غير ذلك.
تقول سامية الغامدي "وصلت لمدير المستشفى، وتحدثت معه، وأخبرته أنني أريد أن أنقل له ملاحظة حول سوء تعامل الطبيب مع المرضى، فطلب مني تقديم شكوى رسمية وأخذ رقمها، ومتابعة ما تم بخصوصها، وأخبرني أنه في حالة عدم رغبتي في ذلك، علي أن أكتب الشكوى، وأضعها في صندوق الشكاوى والمقترحات".
وتضيف "خرجت من مكتبه، ووقفت أمام الصندوق، ولم أجد أي ورقة بداخله، ولاحظت أن الغبار يغطيه من جميع الجوانب، مما يشير إلى أنه لم يفتح منذ عدة أشهر".
أما ثريا بيلا، وهي موظفة بأمانة العاصمة المقدسة، فقالت "خلال تواجدي في أحد الأسواق التجارية المعروفة الأسبوع الماضي، لاحظت تدني مستوى النظافة، فذهبت وقابلت المسؤول، وأخبرته بملاحظتي، فطلب مني أن أكتب ملاحظتي، وأضعها في صندوق الشكاوى، فما كان مني إلا أن غادرت، لأني أدركت عندها أن إحالتي لصندوق الشكاوى ليس إلا وسيلة لهروب بعض المسؤولين الذين لا يرغبون في الاستماع لشكاوى المواطنين وملاحظاتهم".
ويشخّص عبد الرحيم الثقفي، وهو موظف في قطاع حكومي مشكلة عدم قناعة المواطنين والمقيمين بدور صناديق الشكاوى والملاحظات، لكونها تُنشأ من الجهة نفسها ، ولذلك لا يتم التعامل مع الشكاوى بجدية، وقال "أي شخص يكتب ملاحظة ويعود بعد فترة يجدها لم تتغير، إضافة إلى أن استمارات الملاحظات التي يتم تدوين رقم الاتصال بها لا فائدة منها، فلا يتم الاتصال بصاحب الملاحظة، أو منحه أي شيء من الاهتمام".
وأضاف أن أوضاع بعض الصناديق المحطمة، أو المخلعة أبوابها، أو التي لا يتوفر بجوارها أوراق أو أقلام توحي للمراجعين بأنها مهملة فلا يلقون لها بالا.
وأشار الثقفي إلى أن إعادة ثقة المراجع في صندوق الشكاوى تحتاج إلى خطوات، أهمها الاهتمام بالصندوق والملاحظات التي يتلقاها من المراجعين من قبل الشركة أو المؤسسة أو القطاع ، وامتدح بعض شركات المطاعم العالمية التي تهتم بملاحظات واقتراحات المواطنين، مشيرا إلى أنه قام بتجربة التعامل معها، ودون ملاحظة في ورق فاخر وضع في متناول زوار المطعم، وبعد ساعة فقط تلقى اتصالا من موظف بالشركة التي تدير المطعم يشكره على الملاحظة، ويسأله عن مستوى الخدمة المقدمة له.
وتساءل الثقفي "لماذا لا يهتم أصحاب المؤسسات والشركات بملاحظات وشكاوى المراجعين بهذا المستوى؟"، مشيرا إلى أن هذا الإهمال هو من أفقد المراجعين الثقة في صندوق الشكاوى.
وقالت أروى المالكي إن "بعض الشركات والمؤسسات ألغت صناديق الاقتراحات، واستبدلتها بالتواصل الإلكتروني لاستقبال الشكاوى، ولكن ثقافة المجتمع لم تصل إلى إدراك أهمية التواصل التقني مع المؤسسات والشركات لطلب تحسين الخدمات، وتقديم الملاحظات، إضافة إلى أن بعض المؤسسات هي الأخرى لا تهتم بذلك.
أما باسل التل (مشرف في إحدى المؤسسات الكبرى في الطائف) فذكر أن المراجع هو من لا يتعامل مع خدمة صندوق الملاحظات والشكاوى بجدية، مشيرا إلى أنهم في مؤسستهم يهتمون كثيرا بذلك، ويضعون أوراقا وأقلاما، ويفتحون الصندوق في نهاية كل أسبوع، ولكن يجدون عبارات سب ونكات، وبعض الشكاوى التي تحتاج إلى بعض الاستفسار، ولكن أصحابها لا يدونون أرقام الاتصال لكي يتم التواصل معهم".
من جهته أشار مدير الإعلام والنشر بأمانة العاصمة أسامة زيتوني إلى أن صندوق الشكاوى يوجد في كل مكان، ولكن لا توجد قناعة لدى المواطنين بأهميته، فالمواطن يفضل أن يواجه المسؤول مباشرة دون واسطة.
وبين مدير العلاقات العامة والإعلام بمعهد الإدارة العامة عبد الله السميح أن الصورة النمطية التي أصبح المواطن يختزنها عن صندوق الشكاوى والمقترحات أنه بدون جدوى، ولا يمثل أي أهمية، وأرجع السبب إلى عدم تفعيله من لدن كثيرٍ من الجهات باعتباره من الأدوات المهمة في قياس مدى رضى الجمهور عن مستوى الخدمة المقدمة.
وأضاف أن "إدارة المعهد تهتم كثيرا بصندوق الشكاوى وتتفاعل مع ما يوضع به من ملاحظات أو شكاوى، سواء ما يتعلق بالتسجيل في البرامج، أو ما يتعلق ببيئة المعهد العملية"، مطالبا بالنظر لدور هذا الصندوق بصورة شمولية من قبل إدارات العلاقات العامة والإعلام في الأجهزة الحكومية، وتفعيل دوره، والاهتمام بتوعية الجمهور بأهميته.
وأشار السميح إلى أهمية رفع الشكوى الواردة لهذا الصندوق للمسؤول المعني، وتعزيز الصورة الذهنية عنه، وألا يعتقد المواطن أن شكواه تذهب أدراج الرياح، مؤكداً أن هذا الصندوق يجب أن يكون حلقة وصل بين المواطنين والأجهزة الحكومية لا مجرد رمزٍ للتجمل .