رمضان شهر الرحمة والنور والمغفرة، تعود معه الذكريات والأيام الحلوة مع الأحباب، والاستعداد له جيدا بملء خزانات المطبخ بأصناف من الأطعمة والعصائر والمكسرات لزوم السهرات الرمضانية مع المسلسلات.. ثم نسعى فيه للنقاء بهذه النفس داخلنا، التي أتعبتنا وأتعبناها على مدار العام، تركض ونركض معها، وأحيانا نهدرها حقها وأحيانا تهدرنا حقنا، حتى يأتينا هلال هذا الشهر الكريم الذي أنزل فيه القرآن العظيم هدى للمؤمنين؛ فنحاول فيه أن نزكي هذه النفس مما لوثناها به طوال العام من آثام باتت جزءا من حقيقتنا عند الآخرين، والمخجل أننا ندرك بأنها عيوب فينا، غيبة.. نميمة.. قدح في الأعراض، حقد.. حسد، وغيرها.. لكننا لا نصلحها ولا نغيرها إلا في شهر رمضان، وما نلبث أن نعود إلى آثامنا مرة أخرى دون ندم بعد انتهاء صيامنا!
بصدق؛ أحيانا كثيرة أتساءل: لماذا يهجر أكثرنا القرآن الكريم ولا يتذكره إلا في رمضان؟! لماذا تكون المساجد شبه فارغة على مدار العام باستثناء صلاة الجمع فيما تتسابق إليها الأرجل في رمضان وتمتلئ بالمصليين والمصليات في صلاة العشاء والتراويح! لماذا يقاطع بعضنا أرحامه وأقرباءه على مدار 11 شهرا ولا يصلهم ويتواصل معهم إلا في رمضان؟! لماذا أكثرنا يمسك يده عن الصدقة ويفتحها في رمضان؟! بل لماذا بعضنا يكف لسانه عن أذية الناس في شهر رمضان وتراه يتذرع بأنه "صائم" في مواجهة أذى الآخرين له أو حين تأتيه شهوة الكلام في اغتياب أو شتم أحدهم، فيما على مدار العام لا يرحم الناس ولا أعراضهم من لسانه! وقيسوا على هذه الأسئلة الكثير من تصرفاتنا وسلبياتنا اليومية.
ربما لأن الشياطين تُصفد في هذا الشهر، هذا ما يقوله بعضكم، وربما لأن الأجر مضاعف هذا ما سيقوله آخرون، ولكن هل هذه السلوكيات السلبية في يومياتنا سنعلقها على شماعة الشياطين دائما؟! أمرنا عجيب فعلا، ألا يمكن أن يكون شهر رمضان هو شهر ترويض النفس وتغيير سلبياتها لنستمر على ذلك طوال العام، نزكي أخلاقنا وتعاملنا مع الآخرين ليس في رمضان فقط بل وغير رمضان، فما نفع أجر وحسنات نجنيها في شهر ثم نضيعها بأضعافها من الآثام خلال أحد عشر شهرا؟!
ولماذا لا نجعل من رمضان شهر التغيير الإيجابي في حياتنا وتصرفاتنا وسلوكياتنا وأفكارنا، شهر نرتقي فيه بأنفسنا، شرط الاستمرار على ذلك، ولو في كل رمضان أصلحنا شيئا من عيوبنا وقررنا أن لا نعود لها بعد انتهائه لأصلحنا كثيرا من أمورنا، فالعبادة والإحسان للضعفاء وكف اللسان عن الأذية والتخلق بالأخلاق الحسنة، ليست فقط في رمضان الكريم، بل يجب أن تكون على مدار العام؛ أليس كذلك؟!
أخيرا؛ كل عام وأنتم بخير، وإلى الله أقرب ومع الناس أكثر إحسانا.