قبل يومين طالعت برنامجا تلفزيونيا كان يتحدث عن الحياة في إحدى الدول الأجنبية.. وحينما مر على أناس يقفون في صف واحد منتظمين في أحد تدريبات التطوع، أسبغ عليهم مقدم البرنامج أوصافا جميلة، في إيحاء غير مباشر إلى أننا نفتقر لذلك!

كنت وحتى سنوات قريبة أتبنى هذه الرؤية.. كنت أنظر بسلبية مبالغ فيها، تجاه شبابنا المنتشرين في الشوارع.. كنت أعتقد ـ وهناك كثيرون مثلي يعتقدون مع الأسف ـ أن هؤلاء الشباب عديمو الفائدة.. عديمو الإحساس.. فاقدون لمعاني البطولة.. متواكلون لا هم لهم سوى الفوضى وإزعاج الناس، وارتداء بناطيل "طيحني" وقصات "الكدش"، وغير ذلك من مشاهد كانت تدعم رؤيتي تلك.. غير أنني اليوم أنظر لهؤلاء الشباب نظرة مختلفة تماماً!

كلما رأيتهم في الأسواق والمقاهي والمهرجانات والمطارات أقول للذي يسير بجواري ـ أيا كان ـ صدقني هؤلاء فيهم من النخوة والرجولة الشيئ الكثير.. ولو صرخت امرأة، أو حدث أمر مكروه، لوجدتهم يكشفون عن وجوههم الحقيقية ويسطّرون أمامك أجمل صور النخوة والبطولة. كانت الأزمات وحوادث الغرق والسيول والحرائق وبقية المواقف الصعبة التي مرت بنا خلال السنوات الماضية.. بداية لنظرة جديدة لهؤلاء الشباب.. كانت حوادث قاتلة، وكان أبطالها الحقيقيون هم أولئك الشباب.. أولئك الذين قفزوا وسط السيول والنيران والحوادث دون أن يحسبوا حسابا للمخاطر.

لا تحكموا على ظاهر الشباب.. دعوكم من أشكالهم وقصات شعورهم، وتعاملوا مع جوهرهم.. كل ما يحتاجه هؤلاء الشباب هو وجود روابط تجمعهم.. تزيد من تكاتفهم.. وسيقدمون لكم من الأعمال ما يعجز عنه جميع شباب العالم.. أما إن اكتفينا بتقديم البرامج التلفزيونية التي تُقزّم من واقعنا وتبالغ في امتداح الآخرين، فنحن نهدم ولا نبني حتى وإن أردنا عكس ذلك!