إن الفكر الغربي الوافد يؤطر لمفهوم المساواة وحماية المرأة في قانون التمييز الذي اخترع له مفهوما يدافع عنه في عراك لا يهدأ، بالرغم من أن تراثنا العربي كان هو المؤسس لهذه الأطر وواضع بياناتها. يقول المؤرخ فهد المبارك:
"إذا تتبعنا تاريخ العرب نجد أن النساء من أهم العوامل الأساسية في بث روح الشجاعة والرجولة في كيان فتيان العرب. ويبدو أن هذه الظاهرة لها الأثر الفعال عند العرب منذ العصر الجاهلي، وذلك أننا نجد قادة قريش في غزوة أحد اصطحبوا معهم فتياتهم لكي يشاهدن القتال، اعتقادا منهم أن الفتى عندما يستحثثنه على المضي قدما في قتال العدو فإنه سوف يقاتل بلا وعي".
ولتاريخ العرب شأن كبير في إعلاء شأن المرأة وتقدير مكانتها، يقول فضيلة الشيخ صفي الرحمن كفوري في كتابه الرحيق المختوم عن حال مكانة النساء في قريش:
"كانت في العرب أواسط متنوعة، تختلف أحوال بعضها عن بعض، فكانت علاقة الرجل مع أهله في الأشراف على درجة كبيرة من الرقي والتقدم، وكان لها من حرية الإدارة ونفاذ القول القسط الأوفر، وكانت محترمة مصونة تسل دونها السيوف، وتراق الدماء، وكان الرجل إذا أراد أن يمتدح بما له في نظر العرب المقام السامي من الكرم والشجاعة لم يكن يخاطب في أكثر أوقاته إلا المرأة، وربما كانت المرأة إذا شاءت جمعت القبائل للسلام، وإن شاءت أشعلت بينهم نار الحرب والقتال، ومع هذا كله فقد كان الرجل يعتبر بلا منازع رئيس الأسرة وصاحب الكلمة فيها".
هذا التوازن المجتمعي بين الرجل والمرأة هو ما أسس له أجدادنا دون غيرهم في ذات الوقت الذي كان فيه وضع المرأة في أوروبا يتسم بالقهر والاستعباد والتهميش والإقصاء.
لم تكن المرأة العربية مهمشة أو مقصاة في تاريخ العرب قاطبة، فمن أين جاء لنا هذا الفكر المتسلل إلى وجداناتنا بأن المرأة مضطهدة ومهمشة حتى تأطر ذلك فينا وظهر بالفعل تهميشها جراء هذا الحقن تحت الجلد بفكر دخيل عمل على ذلك فينا؟ فقد أثبت علم النفس ذلك الدور الكبير للمرأة في صناعة الرجال الذين شهد لهم التاريخ وسطر أسماءهم. وعلى سبيل الاستشهاد يذكر أن في وقعة الطرفية 1901 في 1318 الكائنة بين ابن الصباح وابن رشيد نجد أن فرسان قبيلة العجمان جاؤوا بفتياتهم ليشاهدن المعركة، أو بالأصح ليدفعن الشباب إلى القتال، وفي معركة جراب 1915 /1333 نجد أن فرسان قبيلة شمر جاؤوا أيضا بفتياتهم، بل ويؤكد الرواة أن بعضا من الفتيات هن اللواتي يطالبن رجالهن بمشاركتهن في المعركة كما فعلت رقية ابنة سراي بن زويمل، تلك الفتاة التي تعطينا صورة ناطقة عن خلق النساء العربيات.. والدها هو زويمل من فرسان ورؤساء عشيرة سنجار المتفرعة من قبيلة شمر، كما يقول المؤرخ فهد المبارك في حكاياتها وهي:
أنها أنجبت ابنها البكر من ابن عمها في الوقت الذي يتهيأ فيه زوجها الفارس لغزوة "جراب" فراحت إلى بعلها تخبره برغبتها في الذهاب مع الغزاة، فرفض بحجة وجود المولود الذي لم يتجاوز أربعين يوما، إلا أنها قالت له: إنني أريد أن أحضر المعركة وأنهض بهمة أبناء عمي واستحث شجاعتهم، لأن الانتصار أهم من حياة ابنك. فرفض طلبها، فذهبت إلى أخويها محمد وفهد فلبيا طلبها على الفور وامتطت هودجها في غمار المعركة تستثير الهمم قائلة (حب الذرة يا صبيان)، بمعنى أن رصاص العدو ليس إلا حب ذرة لا أثر لها، فاستبسل الرجال دفاعا عن هودجها، وقتل على مقربة من خفي جملها خمسة وعشرون فارسا، وفر الغزاة هاربين وهي تنشد وتقول:
سلِّم على البيض يا هالناير
والي شرد لا يعشقنه
شرد ان يوم الدخن ثاير
أبو قرون يعرفنه
يا ماله لك يا لناير
يعل قرونه يعدمنه
وهي أبيات تنذر برفض البيض العذارى لأي رجل جبان حتى أصبح عرفا بين بنات العرب، ولذا يقول الفارس المشهور خلف الاذن ابن شعلان:
ما ننعشق للبيض لو ما فعلنا ولا يلكد باعقابنا كل أصيله
وفي عام 1328 تقريبا تقابل ابن هذال شيخ قبيلة الحبلان من عنزة ويلقب بـ"البيك" مع ركائب محدودي العدد من قبيلة شمر، وكانت الركائب المحدودة تلتمس سببا للحفاظ على ركائبهم من ابن هذال بالاستسلام وإلا القتال حتى الموت، فقال واحدا مهنم: "ما هو عذرنا الذي نتعذر به عند بناتنا غدا فيما إذا أتينا قبيلتنا حفاة مجردين من ركائبنا ومن أسلحتنا؟ ثم ما هو عذرنا عند أميرة الجمال (ابن لامي) التي يتمنى الواحد منا لحظة طرف منها؟" ومن هنا صاح الفتيان واستبسلوا مقاتلين قائلين: (وش عذرنا عند ابن لامي؟) إيذانا بالقتال حتى الموت والإبادة، فلم يستطع ابن هذال هزيمتهم وعادوا سالمين منتصرين إلى قبيلتهم وقد أنشد شاعرهم:
ما عاد نعطي ركايبنا
وش عذرنا عند ابن لامي؟
بالخيل بانت مضاربنا
لعيون من أنفها زامي
والبيك ما عاد يطلبنا
دُب الليالي والايامي.
وبهذا التاريخ يظهر دور المرأة في صناعة الرجال وفي اتخاذ القرار وفي الشجاعة والبطولة والإقدام ما لم يظهر في تاريخ الغرب، الذين يجلدون التاريخ العربي وحاضره بما يسمى بالعنف ضد المرأة، بالرغم مما أعطاه الإسلام للمرأة من حقوق وواجبات يجب تفعيلها في حاضرنا لنكون نبراسا لهذه القوى بمناقب مأخوذة من ديننا الحنيف ومن تاريخنا، كما أنها هي الدافع المحفز على القيام بالفعل. فتفعيل دور المرأة العربية المعاصرة أمر واحب النفاذ لما لها من إرث جلي مستنبت من دينها ومن تاريخها دون غيره من دعاوى وافدة في زمن أخذت فيه بالتراجع تناجي أعرافا بائدة ليس لها في تاريخ الأمة والمرأة العربية من مكان.