"الانشقاق عن جيش النظام بسورية واجب شرعاً، ومَن لم ينشقّ يؤثم، وستحلّ عليه العقوبة العاجلة والآجلة".

هذه العبارات أطلقها أحد العلماء، وأتت مباشرة بعدما زفّ لنا ثوار سورية الأحرار عمليتهم البطولية، ودحرجوا لنا رؤوس الطغاة؛ هدية رمضان لكل الأحرار في العالم المتضامنين مع قضيتهم العادلة. اغتيال أركان النظام البعثي، والخلية المسؤولة عن كل الاغتصابات والمذابح التي حدثت لأهلنا في سورية؛ عملية لم يتوقعها أحد من المتابعين، وكانت فاصلة حقيقية في تغيير مسار المعركة، وأول مسمار في نعش النظام، للدرجة التي بات المواطن السوري يقول: "تغيّر السؤال الذي يطرحه سكان دمشق، لا يسألون إن كان النظام سيسقط بل يسألون متى سيسقط؟" بما جاء في تحقيق صحيفة الرياض مؤخراً.

سألت الشيخ المفوّه عدنان العرعور- وهو في الصميم من المقاومة السورية - عن هذه العملية التي حيّرت كل المتابعين، وعن الكيفية التي وصل بها الثوار إلى أعمق مكان للنظام. فكانت إجابته: "بكل يسر وسهولة استطعنا الولوج، وبإمكاننا أن نصل لأبعد من ذلك، والعبوة الناسفة التي قُتل بها أركان النظام؛ تمّ زرعها في قاعة اجتماعهم، والشباب الذين قاموا بعملية التفجير خرجوا من مقرّ العملية سالمين، لم يتعرض أحدهم لأي أذى" وعقب قائلاً: "إنها إرادة الله، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى".

كلّ المحللين السياسيين يقولون إنّ لحظة سقوط النظام السوري بدأت، والعملية البطولية الأخيرة هي نقطة انعطاف في سير المعركة، وبالتأكيد أنّ سلسلة انشقاقات سريعة من لدن أفراد وضباط الجيش السوري ستعجل بسقوط النظام، والشيخ العرعور يقول إنّ: "النظام سيتهاوى خلال نصف ساعة فقط، إن استجاب أولئك الضباط لنداءات الانشقاق".

ورغم العدد الضخم – نسبياً - للضباط والأفراد الذين انشقوا، بما جاء في تقرير لصحيفة (يديعوت أحرنوت) الإسرائيلية (17/07/2012) والتي قالت: "إنّ عشرين ضابطا برتبة عميد ومائة عقيد يوجدون اليوم في تركيا، بعد أن انشقوا عن الجيش السوري. وليس هذا تقريراً للمعارضة، بل هو معطى أدلاه وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو في مقابلة مع التلفاز الروسي، وتتحدث التقديرات في الغرب عن نحو من عشرين ألفاً من العسكريين المنشقين"، إلا أنّ العدد – برأيي- لا يكفي، ونتذكر كيف سقط القذافي عند باب (العزيزية)، بما لم يتوقعه أحد، إذ كتم المنشقون إيمانهم، ولبثوا مع الطاغية الهالك، حتى حانت ساعة الصفر، فقلبوا المعركة، وجنبوا الوطن الليبي مجازر ومذابح، وهو ما نؤمّله من أحرار وشرفاء الجيش السوري أن يفعلوه.

أحد العلماء دعا هؤلاء الأفراد إلى الانشقاق "ديانة لله" والخوف من المصير الذي سيلقونه أمام ربّ العالمين، وكذلك الشيخ عدنان العرعور الذي خاطبهم بأنه: "بينهم وبين الشرف والعزّ والكرامة كلمة واحدة، وهي: (الانشقاق) وأن مَن لم ينشق سيكون بين أمرين؛ إمّا أن يموت برصاص الجيش الحرّ، فتكون ميتته ميتةً جاهلية، وإمّا أن يَقتل أبناء شعبه فهو في النار، لأنّ قتل النفس المحرّمة من كبائر الذنوب".

بالتأكيد ثمة شرفاء وأحرار في الجيش السوري يكتمون إيمانهم وينتظرون الفرصة المواتية للانشقاق، وهناك بعض الذي يخاف على نفسه أو أهله أو ماله، من أن يؤذيه النظام البعثي الفاجر، غير أنني أخاطب شرف العربي فيهم عبر هذه السطور، فأي قلب لديكم، وأي كرامة، وأنتم ترون الشبيحة يغتصبون نساء سورية الشريفات العفيفات الطاهرات، وهنّ بناتكم وأمهاتكم وأخواتكم، ويقتلون شباب الوطن العزّل، ويفجُرون بالكهل والضعيف والنساء العجائز. يا هؤلاء: النظام يتآكل وسيسقط قريباً، فأدركوا أنفسكم ديانة، أو انجوا بأرواحكم من قصاص سيطالكم.

هذا الخطاب، وإن نفع وانتصح به بعض الأفراد، إلا أنه بالتأكيد لا يكفي، فالتعويل على ديانة الرجل وأخلاقياته لا يكفي، غير أنه يبقى دوماً – في كل تأريخ ومكان - مرتزقة، لا يأبهون بنداءات الحميّة والشهامة، ولا يعترفون بأي أخلاقيات أو دين أو مروءة. لا يغريهم سوى المال، والمال فقط هو لغتهم الوحيدة التي ينصاعون لها، وهو ما أدعو له قيادات الجيش الحرّ بأن يساوم هؤلاء ويغريهم بالملايين، ويفعّل هذا الجانب بالاتصال بهم، فلربما بضعة ملايين من الدولارات، تسيّل لعاب من تضعف نفوسهم أمام المال، فيقومون بالانشقاق المطلوب في الزمن المناسب، فيختصرون لنا الجهد والوقت والمال، ويوقفون هذه المذابح التي تزداد وحشية، ويقيني أنّ النظام البعثي الآن لسان حاله: "عليّ وعلى أعدائي"، فلا يهمّه الوطن ومرافقه، ولا حيوات الناس ولا أعراضهم. وقضية الإغراء بالمال قديمة، استخدمتها الجيوش على مدى التأريخ، ودونكم الولايات المتحدة؛ أو تذكرون ملايين الدولارات التي رصدتها لمن يدلّ فقط على مكان أسامة بن لادن أو قيادات طالبان والقاعدة. بالتأكيد أنها سياسة نجحت.