غاب المسلسل الجماهيري بعد عقدين من الزمن, فقدت الدراما السعودية عملها المثير وقصتها الجدلية السنوية وحروب التصريحات والدعاوى, فخلال الأعوام الطويلة عبرت السلسلة النقدية أمواجا من الانتقادات وفخاخا اجتماعية على كافة المستويات لكنها في المقابل أثرت عميقا في وجدان الناس مشعلة الأسئلة النقدية الساخرة راسمة الابتسامات والدمع تاركة فراغا هائلا تحسسه الذين تخللتهم مواقفه وأفكاره وشخوصه بمختلف مستوياتهم فحفظوها وضربوا الأمثال بها مستشهدين, نعم وصلت الرسالة التي قاتل من أجلها النجمان دافعين الثمن ضجيجا وإشاعات وهجوما لم يهدأ.. والآن تنفجر الميزانيات الإنتاجية للأعمال, تناسل عشرات النجوم محتلين كل الشاشات, نشأت بداية صناعة محلية للدراما.. احتلت قضايانا كل الواجهات الفضية وانهالت العروض على أعشار المواهب فازدحم المشهد واختلطت الأمور.. شاعت فوضى النص وطاشت الأفكار، لكن "طاش" غير موجود ولن يعود.. يلمحه الناس كذكرى أرخت حياتهم في حلقة معادة على الرسيفر لقناة تحاول بحماس جلب العيون إليها فهل هناك وسيلة أفضل من ذلك؟ باعدت الأيام الأصدقاء, انشغل كل بمشروعه الخاص, تضاعفت المهمة وثقلت الخطى, حل النضج مكان الحماس، وجاءت الخبرة بديلا عن المغامرة، فوجب الفراق تماما كما تنتهي كل الحكايات الجميلة.

لكن "طاش" أكثر من حكاية, سيرة مجتمع وقصة حياة بتناقضاتها ومشاكلها ومزاياها استمرت عشرين عاما.. أشغلت الجميع، وطالت سهامها النقدية البسيطة الطرح العميقة المضمون كل الأطياف والأقاليم واللهجات والقضايا، لكن كل ذلك بات رهين الذاكرة والحنين فما يذهب لا يمكن أن يعود حتى لو انهمرت الأعمال وفاض الساتلايت بالمسلسلات والأفكار والنجوم, النجوم الذين لن يشبهوا نجوم "طاش" في ألفتهم الرشيقة وأفكارهم المجنونة وجرأتهم المواجهة التي تشيع الأمل وتتمسك بالفن خيارا في وجه كل المحبطات.

واليوم لا "طاش" في الشاشة.. وبعيدا بعيدا ينقضي فصل من حكاية شعب وسيرة وطن وقصة حياة.