المال هو المحك، ولتكسبه لا تمانع في بيع كل منكر، فمن أجله خلقت ومن أجله تموت، هكذا بدت لي بعض القنوات الفضائية التي تصر على منهاجها الأعوج، فالمال هو المؤشر الحقيقي وراء تحركات بعض القنوات، إذ لا مانع لديها لو قامت ببيع الفسق والفجور في أيام معدودات يتطلع المسلم خلالها إلى رحمة الله وبركته ومغفرته، أيام يقبل المسلم فيها إلى الله سبحانه بكل مشاعره فهو الصائم وهو القائم وهو المستغفر الباذل.
هذه القنوات لا تسير على منوالها قبل شهرنا الكريم فسياستها تختلف فيه جملة وتفصيلا ، إذ تسخر المليارات وتجند الرجال لاستقطاب ما زاد فسقه وقل ورعه، أو تخلط بين هذا وذاك لعلها تنجح في معادلة صعبة وهي استرضاء كافة الأطراف، هذه القنوات لم تجد لها رادعا يردعها ويخفف وطأتها ويكبح جماحها فعمدت لنشر الفسق والانحلال في شهر القرآن الكريم ، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، والمؤلم أنها لم تكتف بذلك بل شوهت مجتمعاتنا وأظهرتنا بمظهر المنحل، فعلاقاتنا الأسرية بمجملها غير مستقرة وغير آمنه، وصورت من تظهر عليه سمات الورع بالإرهابي والمخادع، الخائن بائع الذمم، حرب شعواء على هؤلاء في شهرنا الكريم.
ويخيل إليّ أنه وبعد انتهاء شهرنا الكريم يجلس أصحاب هذه القنوات يحصدون المال الذي جنوه من الإعلانات، هي بدورها تحتاج للمراجعة والضبط، يجتمعون للتباحث في الخطة المقترحة لمعركتهم ضد القيم الأخلاقية في رمضان الذي يليه، ثم يسرعون وقبل انتهاء عيد الفطر المبارك إلى ضمان استمرار سياستهم تلك، وحبذا لو ظهرت هذه السياسة بشكل مضاعف، إذ كلما زاد حراكهم في هذا المجال زاد مالهم الذي سيخلدهم ويحميهم من الأمراض ومن القلق ومن الكآبة ومن الموت.. وهكذا يظنون!
وعلى فرض أن أحدهم أمسك بسيرة عطرة لعلم من أعلامنا الإسلامية، فيجب إقحام الفسق والفجور في تفاصيل حياته.. فللخيال على حسب زعمهم مجال واسع، وهكذا تتحول السيرة العطرة التي نستمد منها المثل الأعلى إلى قصه خاوية الوفاض تسيء لنا كمسلمين ولتاريخنا الإسلامي المشرف، بل إن مثل هذا التناول يتطرق إلى أبعد من ذلك، إلى ما هو معلوم من الدين بالضرورة، وعند الاستفسار عن أسباب عدم اعتمادهم على رؤية علمية للنص، يقال إن مزج الواقع بالخيال هو طبيعة العمل الفني، وفي الحقيقة هم يدركون تماما أن هذه الأعمال لن تجد الموافقة العلمية الشرعية من علماء لهم باع معتمد في العلم الشرعي، بل قد وجدنا أن فريق الإنتاج والإخراج قد لا يجد مانعا من اختيار غير مسلم لتجسيد صاحب هذه السيرة العطرة، وإن كنت أتمنى أن يكون تجسيد هذه السيرة العطرة قوبل بالرفض من قبل مسلمين.
وقد لا يكون لنا كأفراد القدرة على منع تلك القنوات أو ردعها عن سياستها تلك، ولكن لنا سلطة قوية على السوق الذي نحرك مؤشراته وبامتياز، فالشركات التي تهرع وتقبل الأيادي لعرض إعلاناتها في خضم تلك البرامج هي في واقع الأمر تسوق لها وتمدها بالحياة، وترفع من أسعار أي إعلان يعرض من خلالها، وبإمكاننا كمجتمع مسلم مطالبة هذه الشركات بالامتناع عن بث إعلاناتها، علينا إيصال أصواتنا ورغباتنا لتلك الشركات التي تعتقد أنها تكسبنا بسياستها الإعلانية، فمستشاروها أفهموها أننا مجتمع فاسق لا يحترم دينه ولا تعاليمه، وأننا وإن كنا صائمين في نهار رمضان، فنحن مفطرون على كل فسق متاح بعد الإفطار، ولذلك هي تدفع مئات الألوف في سبيل بث هذه الإعلانات خلال تلك البرامج المشبوهة.
ثم ليتنا نعمد لإجراء إحصائيات تهتم بإظهار التوجه العام للمسلمين تجاه ما يعرض في تلك القنوات خلال شهر رمضان المبارك على الأقل، سواء من تلك المسلسلات والبرامج ، أو البرامج الدينية، فمثل هذه الإحصائيات قد تعدل مسار الشركات الإعلانية والقنوات الفضائية، على الأقل في شهر القرآن الكريم، وليتنا نشارك تلك الشركات في الإشراف على هذه الإحصائيات لضمان المصداقية التي سيحاول بعضهم التشكيك فيها.
وفي ختام هذه الكلمات أتوجه لأهل الشام العزيزة بالدعاء لعل الله الكريم المنان يرفع عنهم مصابهم ويبدل حالهم من حال إلى حال، ويكون فتحهم في أول شهرنا الكريم بإذن الله، فأوضاعهم المعيشية أسوأ من أوضاعهم الأمنية فكما سمعت من شهود عيان لا طعام هناك ولا ماء ولا كهرباء ولا وقود ولا دواء، وحتى صاحب المال لن يجد ما يشتريه، ولا أفهم كيف سيمضي أهل سوريا رمضانهم هذا ؟! ولا كيف سيتعاملون معه؟! وإن كنت أعتقد أن فتح باب التبرعات الشعبية مطلب مهم في وقتنا الحالي سواء في وطننا الغالي أوفي بلادنا العربية والإسلامية فمعاناة أهل سوريا أعظم بكثير مما تنقله لنا عدسات المصورين، فالوحشية التي تمارس على مدار الساعة أكثر وحشية مما يصل لمسامعنا، إن سوريا تحترق عن بكرة أبيها ونحن لا نفكر إلا في ما ستحمله لنا مائدة الإفطار مما لذ وطاب! أعاننا الله وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.