في حديث لصحيفة الوطن في 2009 قال الأمير خالد الفيصل إن: "النظام الإداري في المملكة قديم ولابد من إعادة النظر فيه وتطويره" وكتب أيضا في الوطن قبل افتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية إننا في المملكة لدينا "جزر متطورة مثل أرامكو وجامعة الملك عبدالله في بحر من التخلف العلمي والإداري والمالي" وتساءل: "لماذا لا تكون الوزارات الخدمية الكبيرة في المملكة على مستوى الإدارات الخدمية الصغيرة في الجزر؟" وأضاف: "الإنسان السعودي قادر على الانتقال بذاته وببلاده إلى العالم الأول، لو أن الوزراء وأمراء المناطق والمسؤولين في القطاعين الحكومي والأهلي ارتقوا بتفكيرهم وجهدهم وعطائهم". هناك ضعف إداري في أجهزتنا الحكومية، ولا يتعلق الأمر بأشخاص بقدر ما يتعلق بالأداء العام لمؤسسات الدولة التي أصبحت بحاجة لإعادة هيكلة وتنمية بصورة عاجلة. القطاع العام يعاني من مشكلة إدارية كبيرة وعميقة ولا ينكر ذلك إلا من يريد أن يحجب الشمس بغربال.
الأداء الحكومي اليوم ليس سوى شبكة معقدة من البيروقراطية والأنظمة واللوائح والتعاميم والإجراءات المتداخلة والمتضاربة أحيانا، ويدار من قبل موظفين إما عاجزين عن تحسين أداء أجهزتهم لسبب أو آخر، أو فاقدين لمهارات الإدارة الحديثة ومفاهيمها، وتغيب عنهم قدرة الإبداع والابتكار في معالجة المشاكل أو على الأقل القبول بها بدلا من تحجر الآراء. حتى لو جاء من يريد تطوير أداء جهازه فهو سيواجه غياب الكفاءات القادرة على التجاوب مع خطوات التطوير أو يواجه تكبيلا من أنظمة وقوانين متداخلة تعيق عملية تطوير أي جهاز حكومي من داخله. هذا البحر من التخلف الإداري والمالي – على حد وصف الأمير خالد الفيصل – يستدعي عملية صيانة وتطوير شاملة للهيكل الحكومي المترهل ولمنظومة الإدارة الحكومية بقوانينها وإجراءاتها بالمجمل.
الكاتب السعودي طراد بن سعيد العمري اقترح في مقاله بالحياة في 12/7/2012 تحت عنوان: "الإصلاح والتطوير الإداري.. رؤية استراتيجية" أن يتم تبني مشروع للإصلاح والتطوير الإداري، وأن يكون ذلك في صفة وزارة تهدف إلى: "وضع رؤية إدارية استراتيجية جديدة، وإعادة هيكلة القطاعات الحكومية، ومراجعة الأنظمة والتعليمات والإجراءات، وتطوير بيئة العمل وتنمية وتطوير العاملين". مثل هذا المقترح جدير بالتبني والنقاش وهو الدور الذي تقوم به وزارات التنمية الإدارية في عدد من البلدان العربية كمصر والأردن ولبنان والمغرب وتونس، وهي وزارات حققت إنجازات ملموسة في هذه الدول تحديدا على مدى سنوات، وهو ما يتضح من خلال مراجعة أداء هذه الدول فيما يخص مبادرة الإدارة الرشيدة لخدمة التنمية في الدول العربية التي تم إطلاقها في 2005 بالتعاون مع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) وبرنامج إدارة الحكم في الدول العربية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. ورغم كون المملكة أحد الموقعين على هذه المبادرة فإن خطوات الإصلاح الإداري لدينا بطيئة وضعيفة مقارنة بكثير من الدول العربية، وكذلك فالمملكة لم تحاول الاستفادة بشكل كامل من فرص التعاون التي أتاحتها هذه المبادرة.
اليوم في المملكة عدة جهات منوط بها العمل والإشراف على عملية الإصلاح الإداري مع تداخل اختصاصات تلك الجهات، وزارة الخدمة المدنية، ومجلس الخدمة المدنية معنيان بجزء كبير من العملية كونهما المشرفان على أنظمة الخدمة المدنية وتطويرها ورفع كفاءة العاملين بها، ومعهد الإدارة العامة من جهة أخرى هدفه هو رفع كفاية موظفي الدولة والارتقاء بمستوى الإدارة الحكومية. ثم هناك اللجنة العليا للإصلاح الإداري التي أنشئت عام 1383 ومن ضمن مهامها اتخاذ الإجراءات التي تحقق إصلاح الجهاز الإداري الحكومي. ثم هناك اللجنة العليا للتنظيم الإداري التي أنشئت عام 1420 بهدف تطوير الجهاز الحكومي وتحديثه والارتقاء بمستوى أدائه وترشيد تكلفته وإعادة هيكلة أجهزة الدولة.
مشروع التنظيم الإداري للأجهزة الحكومية الذي تشرف عليه اللجنة العليا للتنظيم الإداري مشروع طموح ويطرح أهدافا شاملة لإعادة هيكلة الجهاز الحكومي والارتقاء بأدائه، ولكن المسألة لا تتعلق فقط بشمولية الأفكار، فأدبيات الإدارة العامة شاملة، وتجارب الدول غنية كما يتضح لمن يتابع تفاصيل عمل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في هذا المجال. السؤال الأهم هو تحقيق هذه الأهداف على أرض الواقع.
اللجنة العليا للتنظيم الإداري انبثقت عنها لجنة وزارية فرعية لدراسة الموضوعات المتعلقة بعمل اللجنة العليا، ثم هناك لجنة تحضيرية تقوم بدراسة ما يقدم من موضوعات من الأمانة العامة للجنة العليا، وتقوم اللجنة التحضيرية بإعداد تقريرها ثم عرضه على اللجنة الفرعية التي بدورها تعود لعرضه على اللجنة العليا. ويقوم معهد الإدارة بدور الأمانة العامة للجنة العليا. والمثير في كل هذا أن هذه اللجان التي من المفترض أن تعمل على إعادة هيكلة الجهاز الحكومي والارتقاء بأدائه، مكونة من جهات حكومية هي نفسها بحاجة لتطوير أدائها وربما إعادة هيكلتها. هناك تضارب مصالح واضح في أن تكون اللجان المعنية بتطوير العمل الحكومي مكونة من ذات الجهات التي هي بحاجة لتطوير، اللجنة الفرعية مثلا وهي اللجنة التي تقر المشاريع والموضوعات قبل عرضها على اللجنة العليا مكونة من وزراء الخدمة المدنية، والمالية، والاقتصاد والتخطيط، والنقل، ورئيس هيئة الخبراء بمجلس الوزراء، ومدير معهد الإدارة العامة. وعليه قد يبدو من الجدير هنا تبني فكرة إعادة هيكلة مشروع التنظيم الإداري للأجهزة الحكومية نفسه من خلال تكوين جهة محايدة ربما تتمثل في وزارة تنمية إدارية تعنى مباشرة بكل مهام دراسة الأداء والعمل الحكومي وكيفية تطويره، استنادا لأداء ومهام الوزارات المماثلة في العديد من الدول الأخرى عربية أو غير عربية. بدلا من الاعتماد على نظام اللجان المتداخلة هذا، فرغم كل التقدير للجهات الحكومية والأشخاص الذين هم طرف في الأمر، فإنه من غير المعقول أن تعمل الجهات نفسها التي كانت سببا في مشكلة النظام الإداري الحكومي الحالي على حل هذه المشكلة، المطلوب جهة جديدة بأشخاص من خارج المنظومة للعمل على إعادة الهيكلة وتطوير الأداء من أجل الصالح العام.