أعقل جملة سمعتها عن الجدل السنوي الموسمي لرؤية الأهلة ليس إلا كلمة من عابر سبيل في جلسة حوار وهو يقول: (سأصوم عندما يأمرنا ولي الأمر تبعا لما يراه من الوجه الشرعي الذي ثبت لديه). وبالفعل نحن نشغل أنفسنا بجدل بيزنطي نعرف أن نهايته محسومة، ولا يفرق شيء أن نصوم الجمعة أو السبت أو يثبت الهلال بعد المغرب أو يميل يسارا أو يمينا لحظة المشاهدة. نحن نشغل أنفسنا سنويا بالمطارحة بين ما يقوله علماء الفلك وبين ما يراه علماء سدير المشتغلين احتسابا برؤية الهلال، وهم (علماء) لأنهم اجتهدوا في تقدير المنازل وتوارثوا هذا الاحتساب منذ زمن بعيد كانت فيه لأسلافهم أجور الاجتهاد من أجل إقامة هذه الفريضة أو الانتهاء منها في زمنها المحدد.
لكن المسافة ما بين العلم وما بين العين المجردة هي المسافة ما بين عصرنا وبين تلك العصور التي خلت. خذ مثلا أن الصين احتفلت الأسبوع الماضي بكونها الدولة الخامسة التي تنتج معاملها الإلكترونية ساعة ضوئية لا تؤخر ثانية واحدة ولا تقدمها لعشرة آلاف سنة قادمة. والسؤال السطحي: من هو الذي سيعيش لهذه الآلاف من السنوات كي يشاهد نجاعة وأثر هذا الاختراع المدهش.. لكن السؤال العميق ليس إلا عن العلم، فإحدى الظواهر الفلكية التي مرت بكوكبنا قبل شهر ونصف من اليوم ستمر مرة أخرى في الرابع من أبريل لعام 2114، وهي محددة بعد 112 عاما من اليوم بالدقيقة والثانية. والقصة المقاربة لهذا الاستنتاج أن هلال الشهر لم يعد مع العلم قضية تستحق النقاش. المراصد الفلكية نفسها تحدد من اليوم كسوف الشمس وخسوف القمر لخمسمائة عام قادمة، وبالزمان والمكان، وبالدقيقة وبأجزاء الثانية. والثابت علميا أن ما كان مستحيلا أن تراه فلكيا بالعلم فمن الاستحالة الأقوى أن تشاهده بالعين.
هذه نقاشات لم تعد تصلح إلا لزمننا نحن، ولنا نحن، لأننا مثل زمننا نعيش في المرحلة الفاصلة ما بين براهين الحساب والنظرية وبين نوستالجيا الإرث إلى الماضي. عصر ما بين الدهشة في حسابات المرصد لعلماء الفلك وعصر الشك في تلك العين المجردة من علماء العين المجردة. إنه كالفارق بين أن تسمع حركة الجنين في بطن الأم بوضع الأذن على البطن، وبين أن تراه يسبح في ذات البطن بصورة تلفزيونية رباعية الأبعاد، مع هذا لا يزال بعضنا يشكك في جنس المولود.