لم يكن أكثر كتاب الخيال جموحا يتوقع أن تتوارى كلمات مثل الحزب الوطني، التوريث، رئاسة الجمهورية، التنظيم المحظور، من قاموس السياسة المصرية عام 2011 لتحل محلها الفلول، المخلوع، المجلس العسكري، والحرية والعدالة.

لم يكن هذا الإحلال والتجديد الذي غاب عن القواميس المصرية لعقود يحدث لولا انتفاضة شباب أدركوا أن كلمة "أحرار" في مقولة الزعيم الراحل أحمد عرابي "لقد ولدتنا أمهاتنا أحرارا"، لم تعد إلا كلاما يتردد، وأن مصر على وشك التحول إلى "تراث أو عقار"، وأن جمال مبارك قد لا يجد منافسا له إذا ما قرر والده الرئيس السابق حسني مبارك عدم الترشح للرئاسة لفترة سادسة في ظل قوانين حيكت على مقاس النظام وأبنائه.

عانى المصريون لسنوات من قانون طوارئ جعل الشعب والشرطة في خدمة النظام، ومن فقر جعل 80% من الشعب يعيشون على خط الفقر أو أسفله، ثم تطور الأمر إلى الاستهانة بحياة الإنسان.

وكانت الطامة الكبرى انتخابات مجلس الشعب نهاية العام الماضي، فرغم الاستياء الذي لم تكن تغفله عين من النظام وحزبه انتهت النتائج إلى حصول الحزب الوطني الحاكم سابقا والمنحل حاليا على 97% من مقاعد المجلس.

إلا أن الثورة التونسية أحيت في المصريين الأمل في أن "الشعب هو مصدر السلطات"، فقررت قوى سياسية الخروج إلى الشوارع في 25 يناير في يوم عيد الشرطة في مصر تعبيرا عن السخط على ممارسات الجهاز الأمني القمعي وللمطالبة بـ "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية"، ولكن مع سقوط أول قطرة دم في السويس شرق العاصمة بدأ سقف المطالب يرتفع ويرتفع حتى وصل إلى المطالبة بإسقاط النظام ثم محاكمة النظام، وقد كان.

وبين إضرابات هنا واعتصامات هناك، و"إفتاءات" تلفزيونية هنا وصحفية هناك، وائتلافات هنا وتحالفات هناك، مرت أيام العام ليأتي يوم 28 نوفمبر لتنطلق أولى مراحل الانتخابات البرلمانية، وفجأة تحول "حزب الكنبة" إلى "حزب الطابور" وبدل المليونية خرجت مليونيات وتحدث كل مصري رسميا باسم نفسه وعزل الفلول، وبالفعل أذهل العقول.

إلا أن نتائج الانتخابات حتى الآن أثارت مخاوف من أن تكون "الأسلمة" هي البديل الوحيد للتوريث، وذلك في ظل سطوع وتوهج التيار الإسلامي المعتدل منه والمتشدد. وللأسف تجد هذه المخاوف ما يزكيها في ظل ما يثار عن أدب نجيب محفوظ وتغطية التماثيل وحجب صور المرشحات على قوائم الأحزاب السلفية في الانتخابات. وتسعى زعامات التيار الديني جاهدة إلى وأد هذه المخاوف، ولكن دون جدوى حتى الآن.

ويقول عماد عبد الغفور رئيس حزب النور السلفي، الذي احتل المركز الثاني في نتائج المرحلة الأولى للانتخابات "نحاول تبديد الهواجس التي لا أساس لها من الصحة والتي يضخمها دعاة التطرف".

أما حزب الحرية والعدالة صاحب المركز الأول في الانتخابات فيقول رئيسه محمد مرسي إن الحزب لن يتردد في فعل أي شيء "يحقق المصلحة للبرلمان وللوضع السياسي لمصر"

 وأيا كان شكل البرلمان النهائي أو الحكومة أو الرئيس القادم لمصر، فإن الأمر المؤكد هو أن الشعب لن ينتظر مرة أخرى عقودا ليطيح بمن يقصر في حقه.