خطوة رائعة وجريئة، أقدمت عليها وزارة التجارة بعد أن لوّحت باتخاذها طويلا، وذلك بالتشهير بالمخالفين، وإعلان أسمائهم صراحة دون مواربة، خطوة لاقت التشجيع والتأييد من المتضررين ومن هم على قائمة الضرر، وما الارتياح والتفاؤل الشعبي اللذان رافقا هذه الخطوة، إلا دليل على معاناة المواطن أو المستهلك وتطلّعه لمن يخلصه من جشع هؤلاء حاليا، ويحميه منهم مستقبلا.
هذا الإجراء وإن كان فيه ردع للمشهر بهم وعقاب على ما أقدموا عليه من جرم، إلا أن فيه كذلك رسالة واضحة لمن ينوي أن يسير على منوالهم، وأكاد أجزم أنها الخطوة الصحيحة والمثالية على طريق الإصلاح التجاري وحماية المستهلك، هذا المستهلك الذي اعتقد لسنوات أنه في مواجهة غير متكافئة أبدا مع التجار الجشعين ومستغلي أزمات هذا المواطن (الغلبان) ونقاط ضعفه، ولعل أهم هذه الأزمات دخول شهر رمضان المبارك، حيث لا يملك المواطن حولا ولا قوة أمام ارتفاع الأسعار ورداءة المنتج، ومن هنا كان ما قامت به الوزارة (ضربة معلم) ننتظر مثلها كثيرا، لكن هل وزارة التجارة فقط هي المطلوب منها هذا الأمر؟ وهل التلاعب بأسعار المواد الغذائية وترويجها منتهية الصلاحية أكثر أهمية من التلاعب بأرواح الناس، وإهمال معالجتهم أو إسعافهم؟ أليس حريا بوزارة الصحة أن تتبع ذات الأسلوب نظرا لحساسية اهتماماتها ودقة اختصاصها؟ وهل التلاعب بأسعار المواد الغذائية أكثر أهمية من التفريط بسلامة وحياة الأبرياء صغارا وكبارا، بتسليمهم للموت على الطرق السريعة التي تفتقر إلى أبسط أصول الوقاية أو السلامة المرورية, والتعلل بحجج واهية أمام أفواج الموتى التي تسفك دماؤها على الطرق سنويا؟ ليت وزارة النقل تسير على ذات النهج وتشهر بالمجرمين والمفسدين.
ليتنا نتبنى هذا النهج على صعيد أعم وأشمل.. فنشهر بالعابثين بأمن هذا البلد واستقراره تحت شعار الدين والمواطنة.. ونشهر بالمروجين للدعوات الطائفية والعنصرية، عبر محاولتهم إذكاء روح التعصب وإيقاظ الفتنة، سواء بالكتابة أو بالخطب والمحاضرات.
لن يصبح المجتمع نقيا نظيفا إلا بتطهيره من أمثال هؤلاء في كل مجال، والإشارة لهم علانية في وضح النهار ليعرفهم كل الناس، ويؤدوا تجاههم ما تمليه عليهم مواطنتهم الحقة، فالمواطنة ليست عصبية جاهلية باسم الوطن، وليست شعارات وأناشيد جوفاء، بل هي حب هذا الوطن، والعمل بمقتضيات هذا الحب، حفاظا على أمنه واستقراره بعيدا عن عبث العابثين.