الأسبوع الماضي ومساء ليلة الاثنين، وفي أحد محلات السوبر ماركت، لأول مرة في حياتي أشاهد مفتشا من التجارة، لفت نظري إليهم حالة النقاش التي كانت محتدمة بينه وبين مسؤول المحل، والأوراق الرسمية التي كانت بحوزة المفتش، استرقت النظر إلى أوراقه فإذا بها دفتر يضم استمارات لرصد المخالفات يحمل اسم وشعار وزارة التجارة والصناعة، كانت المخالفة مرتبطة بالسعر والإعلان الذي على واجهة المحل. بالفعل كنت أسمع عن هؤلاء المفتشين ولم يحدث أن شاهدتهم، ومن الواضح أنهم يعملون خارج أوقات الدوام الرسمي، وأصبحوا يقومون بجولات تفتيشية مستمرة. في الواقع لقد وجدت جوابا لكل ذلك. إنها إحدى جهود صديقنا الذي في تويتر.
بخلفية علمية واسعة رسختها أروقة الجامعات والكليات المحلية والعالمية التي التحق بها الدكتور توفيق الربيعة، وصل إلى وزارة التجارة والصناعة وزيرا، بالإضافة إلى منصبه السابق مديرا عاما لهيئة المدن الصناعية ومناطق التقنية. هذا التعيين ليس أول علاقة له بالوزارة فلقد شغل منصب وكيل الوزارة للصناعة، تبدو على ملامحه الكثير من سمات الطيبة والبساطة والألفة، وهو ما جعل كثيرا من المتابعين يستقبلون خبر تعيينه بنوع من الفتور والتوجس، فالتجارة والصناعة في المملكة بحاجة إلى رجل صارم وحازم، كان ذلك تفسيرا خاطئا ومتهورا للغاية.
لكي تتعرفوا قليلا على توفيق الربيعة، لا تبحثوا عن تصريحاته في الصحف ولا عن زياراته الرسمية أو الجولات المفاجئة المعدة مسبقا، فقط اتبعوه على تويتر، ستجدون أن حسابه الشخصي، هو إدارة الإعلام والعلاقات العامة الحقيقية والمباشرة لوزارة التجارة والصناعة.
في الثاني والعشرين من نوفمبر كانت أول تغريدة في حساب الدكتور توفيق الربيعة، لم يكن نشطا على ما يبدو، كان تعريفه الشخصي مقتصرا على اهتمامه بالإبداع والإدارة والتطوير. لم يكن مغردا متميزا، ولم يكن يحظى بكثير من المتابعين حتى يوم الثالث عشر من ديسمبر.
في ذلك التاريخ صدر الأمر الملكي الكريم بتعيينه وزيرا للصناعة والتجارة، لم يعلن إغلاق حسابه ولم يستبدل صورته الشابة، بل واصل تغريداته، إنما هذه المرة بنفس جديد للغاية. لينضم إلى قائمة من الوزراء السعوديين، الذين أوجدوا لهم حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، والذين فتحوا نافذة جديدة للعلاقة بين المسؤول وبين الناس. وقد كان وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة، أول الوزراء والمسؤولين استثمارا لهذه الوسائل الجديدة، ثم وزير العمل ووزير العدل.
كنا نعيش إلى وقت قريب فكرة أن وزارة التجارة والصناعة هي وزارة للتجار ولرجال الأعمال، ولا يدخلها غالبا إلا هم، والمعقبون وأصحاب مكاتب الخدمات العامة.
الآن توفيق الربيعة يقول خلاف ذلك، إنه باختصار ينطلق من الفكرة التالية: وزارة التجارة والصناعة مهمتها إدارة وتنظيم العلاقة بين التجار وبين الناس. فالتجارة كفعل عام يمثل تماسا يوميا وحقيقيا بكل تفاصيل حياة الناس، في مأكلهم ومشربهم وتنقلاتهم وسكنهم، فكل ما حولنا وكل ما نستخدمه من آلاف الأصناف من السلع والمنتجات إنما هي ناتج فعل تجاري، يحتاج دائما لمزيد من الحماية ومزيد من الإدارة.
ظلت التجارة لدينا معادلة ربحية فقط، وهي كذلك في الغالب، لذا تحتاج إلى المزيد من عمليات الضبط والمتابعة والأنظمة التي تحمي المستهلك من أن يكون هدفا للربح المطلق، مع العلم أن عملية الربح غالبا ما تكون قابلة وبقليل من التلاعب لمزيد من الأرباح، خاصة في مجتمع استهلاكي كمجتمعنا.
كانت قضايا المساهمات العقارية واحدة من أكثر الملفات سخونة في السعودية، وتعرض كثير من المواطنين لضياع حقوقهم أو تجميدها لسنوات طويلة، وبعد أقل من ثلاثة أشهر من تعيينه كتب وزير التجارة والصناعة هذه التغريدة: "أتابع ما يكتب عن المساهمات العقارية، وأنا والزملاء نسعى لرد الحقوق إلى أهلها بأسرع وقت وبأفضل عائد للمساهمين". بعدها بفترة وجيزة كانت الوزارة تعلن أنها تمكنت من رد حقوق مساهمين في بعض المساهمات المتعثرة.
الأسبوع الماضي شهد كثيرا من الإجراءات التي اتخذتها الوزارة؛ حماية للمستهلكين من بعض المخالفات التجارية، وازدياد وتيرتها يشير إلى أن ثمة أجهزة منظمة في وزارة التجارة باتت تولي هذا الجانب، ولم يعد الاكتشاف متروكا للصدفة أو للاجتهاد أو للشكاوى.
مثل هذا النجاح هو بالتأكيد نتيجة لحزمة من الإجراءات الجديدة التي تعيشها كثير من الوزارات، والتي تؤدي جهودها المتضافرة لتحقيق مسارات عمل إدارية لا تخضع إلا للإنجاز هدفا ومعيارا للنجاح.