قرقعة المفاتيح أول صوت تسمعه أذناها عند استيقاظها، لتبدأ صباحها بفتح الزنزانة للسجينات وتؤمهن في صلاة الفجر، وتحرص على ألا تفوتهن صلاة الفجر، حتى إنها تتوجه إلى مخادعهن لتنبههن للصلاة وتنتظر الجميع حتى تكتمل الصفوف.
السجانة ذات الجسم الضخم والهيبة غير المصطنعة بزيها العسكري "حنان الدوسري" فتحت لـ"الوطن" سجل تجربتها لأكثر من ست سنوات داخل السجن النسائي بالمنطقة الشرقية.
حنان التي تقضي ساعات ليست قليلة يوميا وراء القضبان، تقول: أعيش في السجن وإن كنت لست مسجونة وليس علي أي عقوبة، وترى أن بيئة عملها هي بيئة خاصة نوعا ما، وتتطلب حب وتقبل تلك البيئة والتعايش مع السجينات وإلا ترفضها البيئة. وترى أن أجمل ساعات يومها هي تلك التي تدخل فيها زنازين السجينات ليلا لحفظ القرآن.
وتحكم "حنان" على العمل العسكري لأي امرأة بأنه عمل شاق ومتعب، لبعده عن طبيعتها التي فطرها الله عليها، إلا أن ملامح الشدة والهيبة والصرامة البادية على وجهها تسهل عليها الكثير في عملها، وأضافت: رغم شدتي وصرامتي الشخصية في التعامل إلا أنني أركز على بناء علاقات إنسانية جيدة بالنزيلات وأدعوهن دوما للتقرب من الله، الأمر الذي يجعلهن منساقات هادئات النفس.
وعن خفارتها ومرافقتها للسجينات في رحلات سفر ما بين مناطق المملكة، تقول إن عملها يتطلب منها مرافقة النزيلة من سجن الدمام، وتسليمها لسجن جدة أو العكس حسب مكان جريمتها أو انتمائها للمنطقة، مرورا بالمطارات ورحلة الطيران وهذا يجعلها دائما في حالة قلق خوفا من هروب أو اختفاء السجينة المرافقة لها.
وعن طبيعة التنقل وإن كانت تستخدم أصفادا حديدية لربط السجينة أثناء ترحيلها من سجن إلى آخر، نفت الدوسري استخدامها لتلك الأصفاد، وقالت: طبعا لا توجد أصفاد حديدية لأربط بها السجينة لكنني لا أترك مجالا لأي منهن للتفكير في الهروب، وذلك لشخصيتي الشديدة أولا ولعلاقتي التي ابنيها مع النزيلة فور لقائي بها، وهذا ما يجعلها تجدني رفيقا لها خلال الرحلة أكثر من كوني حارسا لها".
وتختلف "حنان" الأم في منزلها عن حنان السجانة في عملها فهي والدة حنونة لابنتها "فاطمة" 16 سنة الابنة الوحيدة لها، أما منزلها فهو بسيط يميل إلى الجدية في الأثاث والصرامة في قفل الأبواب والنوافذ، وأقفاله تحكي صرامة صاحبته وحذرها، وهي الصفات التي اكتسبتها من عملها الذي استفادت منه كثيرا، واكتسبت منه خبرات عديدة في الحياة خاصة قصص السجينات وما أدى بهن إلى السجن، بكل ما في ذلك من عبر وأخطاء يرتكبنها دون خبرة بالحياة.
وتقول ابنتها فاطمة: أمي مثل كل الأمهات حنونة ورقيقة معي، وإن كانت ربتني بشدة لما تعودت عليه في عملها الذي يترك بصمات على شخصيتها، إلا أنها صديقتي وتستمع لي، كما أنها تعوضني عن ساعات غيابها الطويلة حينما تعود للمنزل.