حذرت وزارة الصحة مطلع الأسبوع وسائل الإعلام من نشر مقالات طبية بلا أساس علمي، ومن ثم توعدت بتعميم موزع بأن الهيئة السعودية للتخصصات الصحية ستقوم بمحاسبة المخالفين من العاملين في المرافق الصحية. خبر التحذير والوعيد الذي نشرته الصحف يوم الأحد الماضي، ذيل بأنه وللحد من تلك الممارسات سيقوم مجلس الخدمات الصحية بتقديم المرئيات العلمية من "اللجان" الصحية في كل مجال اختصاص حول المواضيع الصحية التي يتم نشرها في وسائل الإعلام المختلفة. هذا الخبر أشارت فيه وزارة الصحة إلى القذى في عين الطرح الصحي الإعلامي المحلي وتناست الجذع في عين خدماتها عامة والتوعوية والوقائية خاصة.

تناست وزارة الصحة الجذع المتفرع في عينها فلم تر حقيقة ما يدور في سوق الصحة، فالصورة التي تراها مشوهة فلم تستطع أن ترى سوى بضع مقالات قد تحوي معلومات خاطئة ولم تر السبب وراء نشر هكذا مقالات. الجذع في عين الوزارة لم يساعدها على أن تترجل من برجها العاجي بالتخلي عن ثقافة التعاميم الإدارية فيما يختص بالمبادرات التوعوية والتثقيفية من الممارسين الصحيين، بل ساعدها على تقمص دور مقص الرقيب الصحي بإدانة صريحة لركاكة خدماتها.

الجذع في عين وزارة الصحة تفرع ووصل لعنان السماء حتى اعتقدت بأن لها القدرة على التحكم بالمحتوى التوعوي الصحي بتكميم أفواه المبادرين من الممارسين الصحيين وأفراد المجتمع في وسائل الإعلام المختلفة واعتقدت بأنها لها القدرة في التحكم في المحتوى الإعلامي الصحي عن طريق لجان متخصصة قد يتجاوزها الطب الحديث وهي لم تعقد اجتماعها السنوي.

الجذع في عين وزارة الصحة هو سوء خدمات توعوية وتثقيفية، وهو حملات مجتمعية ركيكة لا تحمل منهجية ولا أهدافا، وهي منشورات ولوحات بملايين الريالات ما زالت تحمل في طياتها معلومات صحية مسنة ومتوارثة لتعكس حقيقة أغلب جهود وزارة الصحة التوعوية والوقائية والإعلامية. الجذع في وزارة الصحة لم يسعفها على فهم أن هذه المبادرات الصحية المختلفة خارج حدودها هي ترجمة لاحتياج مجتمعي لم تتمكن من تلبيته، ولم يسعفها في فهم أن الوعي الصحي المجتمعي هو أقوى تحذير ووعيد ضد أي معلومات صحية خاطئة، ولم يسعفها في فهم أن الاستثمار في التوعية والتثقيف هو حفظ للمال العام من الهدر و استثمار طويل الأمد أهم من الاستثمار قصير الأمد في لجان مراقبة للمحتوى الصحي الإعلامي.

قامت وزارة الصحة بالإشارة لقذى المحتوى الصحي الإعلامي وغضت النظر عن خريجي المعاهد الصحية الذين إن تم توظيفهم في المجال التوعوي والوقائي لما احتاجت لهذه التحذيرات والتعميمات. قامت الوزارة بالإشارة إلى أنها ستتعاون مع وزارة الثقافة والإعلام في دلالة صريحة على عدم مواكبتها للمصادر التي غالبا ما يستقي منها المجتمع معلوماته الصحية من قنوات تواصل اجتماعي ويوتيوب والتي لا تخضع لرقابة وزارة الثقافة والإعلام. هل سمعت وزارة الصحة بحساب ووسم صحتك تهمنا والذي يديره نخبة من الأطباء السعوديين من أصقاع الأرض كافة للتوعية والاستشارات؟ هل قرأت وزارة الصحة عن مبادرة ميزان على موقع تويتر لتعزيز سلوكيات الغذاء الصحي والنشاط البدني؟ هل ستخضع هذه المبادرات ومحتواها أيضا لمقص رقابة اللجان الصحية المتخصصة؟!

المثير للتعجب في هذا التحذير الغريب، أن الوزارة حذرت من نشر مقالات طبية لا أساس علميا لها، وهي تعلم جيدا أن ما لا أساس علميا له غالبا لا يحتاج لتحذير، فمريض الزائدة الدودية علم بأن إزالتها لا تحتاج لبتر إصبع مثلا، ومريض الربو يعلم بأنه يحتاج لبخاخات ولن يحتاج لحقنة أنسولين ما لم يكن مصابا بالسكري. المقالات الطبية التي لا تحمل أساسا علميا لن تنشر غالبا وإن نشرت لن يتقبلها الجمهور لأنها تخالف المنطق، أما ما سواه فهو يخضع للأخذ والرد حسب المدارس الطبية المختلفة التي توصل أصحابها لأدلة إرشادية علاجية ووقائية قائمة على أبحاث ودراسات مجتمعية محلية، فالمدرسة الطبية الكندية ستختلف قليلا عن البريطانية ولكنها بالتأكيد تتفق في البديهيات، إذا ما الأساس العلمي "الموحد" الذي تتحدث عنه الوزارة في الخبر!

تأخر الوزارة في إصدار أدلة صحية علاجية ووقائية هو أحد أكبر الفروع للجذع في عينها وتعتقد أن باستطاعتها قطعه بلجان تراجع المقالات الطبية قبل نشرها.

العلم قوة والوعي سلاح، من المعيب حقا أن تطالعنا الصحف بخبر كهذا لوزارة هي إحدى أهم الوزارات الخدمية والتي ترتبط ارتباطا وثيقا بالمجتمع وأفراده، فعوضا عن احتضان واستيعاب هذه المبادرات الإعلامية وتشجيع أصحابها من الممارسين الصحيين وغيرهم واعتبارها فرصة لخلق حوار مجتمعي صحي توعوي يتم فيه تصحيح الأخطاء وتعزيز الصواب، تواجهه الوزارة بالتحذير والتهديد بالمحاسبة في إدانة صريحة لعجزها عن المقارعة في سوق الصحة.