قرأت قصة مدينتين لتشارلز ديكنز في مكتبة المدرسة وأنا طفلة، وها أنا أعيد قراءتها مرة أخرى لأسباب عدة؛ منها أن أستاذاً بريطانياً أثار الحديث حولها في تعليقه على الربيع العربي، فوجدت ذاكرتي عنها تمتلئ بفكرة أسسها دماغ طفلة فقررت إعادة قراءتها مرة أخرى.

في الرواية يستوقفك رجل يسمى مسيو ديفارج، وهو صاحب محل الشراب الذي يراقب تهافت الفقراء على لعق ما بقي من شراب تكسرت زجاجاته بعد انقلاب العربة التي تقله، لكن الشراب يتسلل من فتحات الأرض ولا ينالهم سوى طعمه على أصابعهم البائسة.

مسيو ديفارج يقرر أن يحمل آلام الناس للحاكم الفرنسي؛ فيتصارع مع حرسه ويقفز إلى عربته، ويمد خطاب الآلام إليه، ويفرح مسيو ديفارج فلقد بلغت الحاكم معاناة شعبه.

لكن لا شيء يحدث ولا شمس تشرق؛ فلا نعجب أن يرأس مسيو ديفارج جماعة (جاك)، وهي تمثيل حقيقي لجماعة (جاكيري) الفرنسية التي شاركت في إشعال الثورة الفرنسية.

في الرواية ترى كيف يتحول "الغلابا" بعد أن صاروا ثواراً إلى مجرد منتقمين يقيمون المحكمة للطبقة المترفة ثم يقتلون القاضي والمتهم.

يداوون جراحهم بالقتل وتقوم مدام ديفارج بحياكة أسماء المطلوب قتلهم، فيسألها رجل بسيط عما تفعله، فترد: أحيك ثياباً للقبور.

أولئك الأشخاص الرافضون للظلم من الطبقة الأرستقراطية والهاجرون لها يقرر الثوار قتلهم، كأن الجينات تنقل الذنوب والخطايا؛ لذا وجب على الجميع التكفير.

يقول الرومانسيون إن تشارلز ديكنز كتب هذه الرواية لأنه أراد أن يخرج من حزنه على عدم القدرة على الزواج بفتاة أحبها؛ فصنع رجلاً "سيدني كرتون" يشبهه في هزائمه وانتصاراته في آلامه، يحب فتاة يصعب أن يصل إليها لكنه مع ذلك يقرر إنقاذ الرجل الذي أحبته وفضلته عليه.

أعتقد أن بريطانيا نجحت إلى حد بعيد في حماية شعبها من الغضب، فشرعت القوانين وطبّقتها وراقبتها.

فلِمَ لا يحدث في لندن ما حدث في باريس؟!