كتبتُ الأسبوع الماضي من مدينة كيرونا، في أقصى شمال السويد، عن قرار غريب بنقل المدينة إلى مكان جديد، بهدف استخراج مخزونات خام الحديد الضخمة الموجودة تحت سطحها، وأشرتُ إلى الآثار السلبية المتوقعة لهذا النقل على حياة شعب السامي، السكان الأصليين في تلك المنطقة.

وسأناقش اليوم مظاهر هذا التصادم القائم بين الثقافة التقليدية لشعب السامي والشركات الكبرى المهتمة بالثروات الطبيعية في المنطقة.

وهؤلاء السامي هم السكان الأصليون في شمال السويد، وتمتد أراضيهم حول القطب الشمالي للكرة الأرضية عبر النرويج، السويد، فنلندا، وروسيا. وفي السويد وحدها، يقول السامي إن أراضيهم تغطي ثُلث مساحة البلد، أو 150 ألف كيلو متر مربع، مع أن عددهم لا يتجاوز مئة ألف نسمة.

وتعتبر مجتمعات السامي نفسها شعبا واحدا، على الرغم من عيشهم في أربع دول، وإن كانت تلك الوحدة تهددها الظروف المعيشية الصعبة، وتشتتهم تحت ظل أربعة نظم قانوية مختلفة، تعاملهم على نحو يختلف اختلافا ملموسا بين الدول الأربع.

وبلا شك، فإن معاملة السويد لسكانها الأصليين أفضل بكثير من المعاملة التي يتلقاها السكان الأصليون في دول أخرى كثيرة، إلا أنها لا تلبي تطلعات شعب السامي، وتتعارض في أحيان عديدة مع التزامات السويد في الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة، وهو أمر يتفق عليه ممثلو شعب السامي والمنظمات الدولية المتخصصة وعلماء القانون من إسكندنافيا وخارجها.

ولكي نكون عادلين، فإن السويد قد اعتذرت لشعب السامي في عام 1999 عن الأخطاء التي ارتُكبت في حقهم في الماضي، وبذلت جهدا كبيرا منذئذٍ لبناء مؤسساتهم الثقافية، وتشجيع ثقافتهم ولغتهم للتعويض عن الكبت التاريخي الذي تعرضوا له، ولكن تلك الجهود في تقدير الكثيرين لا تسير بالسرعة المطلوبة.

ومن الأسباب الرئيسية وراء هذا التقصير في حق شعب السامي العوامل الاقتصادية والضغوط على الحكومة من جانب مجموعات أصحاب الأعمال التي تجعل من الصعب تحقيق توازن بين العدالة والتنمية الاقتصادية. وقد أشرتُ الأسبوع الماضي إلى حقيقة أن بلاد السامي تحتوي على 90% من خام الحديد في أوروبا. وعندما تستذكر فوق هذا أن أسعار هذا الخام ارتفعت أربعة أضعاف خلال السنوات القليلة الماضية، فإن من السهل تصوّر حجم وطبيعة هذه الضغوط، زد على ذلك أن شعب السامي أقلية ضئيلة ليس لها نفوذ يُذكر أو قدرة على بذل ضغوط مماثلة.

وفي البُعد الثقافي ثمة تناقضات أيضاَ. ففي حين تفتخر السويد بتفهمها للخصوصية الثقافية لشعب السامي، فإن هذا الشعب الصغير يجد صعوبة في ترجمة ذلك إلى أثر ملموس. فعلى سبيل المثال، ثمة قانون سويدي يُعطي أطفال السامي الحق في تلقي دراستهم بلغتهم الأصلية في المدارس الحكومية، ولكن، وكما أخبرنا بعض ممثلي السكان الأصليين، فإن المدارس ليست ملزمة بتوفير ذلك إلا في حالة توفر معلمين أكفاء، وبشرط أن يكون للطفل إلمام كافٍ باللغة. وفي الوقت نفسه فإنه من غير الجائز أن يتكلم السامي لغتهم في أماكن عملهم، ولا يُسمح لهم بإنشاد النشيد التقليدي (وهو يشبه الحداء) في المدارس!

وهذه الخلفية تشرح بعض التناقضات التي يلاحظها الزائر هنا. صحيح أن ثمة مظاهر ثقافية جميلة وحيوية، أتاح لي حُسن الحظ مشاهدتها مع العائلة خلال الأسبوع المنصرم. فهناك متحف مختص بشعب السامي، وكُلّية جامعية، وأسواق صغيرة تبيع المنتجات والتحف التي يقومون بصناعتها. وهناك مسرح وطني، وروايات، ومجموعة شعرية بلغتهم المحلية، ولكن كل ذلك يتم على نطاق ضيق ومحدود في إمكاناته، وهو حتما لا يتواءم مع الثروة التي تتمتع بها بلادهم.

وقد استبشر شعب السامي خيرا العام الماضي حين أنصفهم القضاء السويدي، بعد تأخير طويل، فيما يتعلق ببعض حقوقهم في أراضيهم التاريخية، ويأملون أن يؤدي ذلك إلى آثار جذرية فيما يتعلق بحياتهم الاجتماعية والاقتصادية. ففي خريف عام 2011، حكمت المحكمة العليا في السويد لصالح بعض قرى شعب السامي، وأقرت بحقهم في رعاية ماشيتهم في أراضيهم التاريخية، وهو قرار ينقض، بشكل جزئي على الأقل، مئات السنين من التسلط والاستيلاء على أراضيهم.

وقد جاء حكم المحكمة التاريخي بعد (14) عاما من النزاع القانوني، حيث صادقت المحكمة على قرار محكمة الاستئناف التي رأت أن السامي قد أثبتوا أن آباءهم وأجدادهم كانوا دائما يرعون ماشيتهم (غزال الرنة) في الأراضي محل النزاع. وكانت القضية قد بدأت في عام 1997، أي منذ (15) عاما، حينما رفع بعض ملاك الأراضي والغابات (القادمين من خارج المنطقة) قضية ضد ثلاث جمعيات سامية لرعاة غزال الرنة المحدودي الدخل، لمنعهم من رعي ماشيتهم في الأراضي التي يملكونها. وقال الملاك في قضيتهم إن ما يدعيه السامي من حقوق تقليدية أو تاريخية لا مكان له في النظام القانوني الحديث للسويد، ولكن المحكمة العليا لم توافق على هذا المنطق وحكمت لصالح السامي.

ولا شك في أن هذا القرار مهم وتاريخي، ولكن هل سيكون له أثر على أرض الواقع لصالح شعب السامي، عدا عن تأثيره على القضية المحدودة التي فصل فيها؟ فقد ينتهي القرار إلى كونه مجرد نصر رمزي. وتوضح القضية، التي استغرق الفصل فيها (14) عاما، مدى المقاومة التي يواجهها هذا الشعب من قبل المصالح الاقتصادية للأغلبية السويدية. فكما أوضحتُ في مقال الأسبوع الماضي، فإن مصير مدينة كيرونا، على أهميتها لشعب السامي، قد تقرر من قبل شركة المناجم التي تسيطر اقتصاديا على المدينة، وهو ما يُنذر بأن مصير شعب السامي، في نهاية المطاف قد تقرره المصالح الاقتصادية، لا الاعتبارات الإنسانية، وهو مصير كثير من الشعوب الأصلية التي أصبحت تعيش أقلية في أوطانها التاريخية.