انتقد عدد من أعضاء مجلس الشورى تقرير هيئة الرقابة والتحقيق، مطالبين بضرورة تطبيق نظام البصمة الإلكترونية لضمان ضبط حضور وانصراف الموظفين في كافة قطاعات الدولة، وإعادة النظر في الوضع التنظيمي للهيئة ورسالتها وأهدافها، وفقاً لما جاء في المادة 80 من النظام الأساسي للحكم بحيث تكون هي الهيئة الحكومية المركزية المسؤولة عن الرقابة على الأداء الحكومي وضمان سلامته وجودته، بالإضافة إلى زيادة عدد فروع الهيئة في المناطق والمحافظات التي لا يوجد بها فروع.
وبالرغم من وجاهة ومنطقية مطالبات أعضاء مجلس الشورى لتفعيل دور الهيئة في أداء رسالتها، إلا أنها لم تأخذ في الاعتبار الدور الرئيسي لها، بالإضافة إلى تجاهل الأسباب الرئيسية لمشكلة حضور وانصراف الموظفين.
وفي اعتقادي أنه حتى لو نفذت توصيات مجلس الشورى فإن المشكلة سوف تبقى على حالها إن لم تظهر مشاكل أخرى تزيد الأمر تعقيداً، فعلى سبيل المثال توصية المجلس بتطبيق نظام البصمة للحد من تأخر وغياب الموظفين، فقد تم تطبيق هذا النظام على بعض الجهات الحكومية إلا أنه لم يحل المشكلة بل ظهرت مشاكل إدارية أخرى أدت إلى إلغاء هذا النظام، لأنه لم يأخذ في الاعتبار الأسباب الرئيسية لمشكلة تأخر وغياب الموظفين، حيث تشير بعض الدراسات بهذا الصدد إلى أن أسباب تأخر وغياب الموظفين في الوزارات والمصالح تتلخص في الآتي:
1) بروز الرجل كمسؤول أول وأخير عن شؤون البيت والأولاد الخارجية وضعف دور المرأة في الحياة العامة، فالرجل هو الذي يتولى توصيل الأبناء لأماكن مدارسهم، مما يضطره ذلك للخروج من عمله قبل انتهاء الدوام الرسمي ليلحق بهم، ناهيك عن شراء حاجيات المنزل والتعقيب على المعاملات الخاصة ومراجعة المستشفيات لأفراد العائلة.
2) أن نظام الدوام الثابت المطبق في المملكة يحدد موعداً لبداية الدوام وموعداً لنهايته، مما يؤدي إلى أزمة في المرور في الصباح عند الذهاب إلى العمل، وأزمة في المرور بعد الظهر عند عودة الموظفين، بالإضافة إلى عدم توافر مواقف لسيارات الموظفين في بعض الجهات الحكومية.
3) تأخر وغياب المدراء والمسؤولين، حيث إنه في الغالب لا يطبق عليهم نظام الحضور والانصراف، وعدم ترسخ تقاليد احترام المواعيد رغم أية جزاءات إدارية.
4) عدم التمايز في مواقيت الدوام وعدد ساعاته وأيامه.. بين فصلي الشتاء والصيف، وعدم التمايز بين المناطق المختلفة ذات المناخات المختلفة، الأمر الذي يحول دون الالتزام بمواعيد الحضور الصباحية غالباً.
إن مجمل العوامل السابقة تعد من الأسباب الحقيقية وراء تأخر وغياب الموظفين عن أعمالهم، وقد توصل الباحثون إلى بعض الحلول التي تحد من هذه المشكلة، ومنها على سبيل المثال نظام الدوام المرن الذي يعتبر من أبرز سماته إعطاء الموظفين حرية اختيار مواعيد وصولهم إلى مكان العمل ومواعيد انصرافهم منه، وذلك ضمن حدود يتم الاتفاق بشأنها مع الإدارة.
كما انتهجت بعض الإدارات منهج جدولة الأعمال زمنياً، بغض النظر عن الحضور والانصراف والاهتمام بإنتاجية الموظف حسب الموعد المحدد لأعماله. وأذكر بهذا الصدد إن إدارة إحدى المؤسسات العامة للدولة لاحظت أن من المشاكل الرئيسية التي تواجه الموظفين التأخر في الوصول إلى مقر العمل صباحاً في الوقت المحدد (الساعة 8 صباحاً) وترك العمل ما بين الساعة (12 – 1) ظهراً، وذلك ناتج عن توصيل الأبناء والبنات من المدارس إلى المنازل. وبعد دراسة للمشكلة اقترحت الإدارة أن يبدأ الدوام الساعة الثامنة والنصف صباحاً حتى الساعة الثانية عشرة ظهراً، وإعطاء ساعتين سواء للغداء أو لتوصيل الأبناء أو لمراجعة المعاملات الخاصة، لتبدأ الفترة الثانية من الساعة الثانية ظهراً حتى الساعة الرابعة عصراً، وبالفعل تم تطبيق هذا المقترح وأدى إلى تحسن ملحوظ في حضور الموظفين وزيادة الروح المعنوية لديهم. لذا كان المفترض من أعضاء مجلس الشورى مناقشة أسباب تأخر وغياب الموظفين، والسؤال عن دور الهيئة في هذا المجال حسب اختصاصها، والتركيز على واقع ومشاكل الموظفين، وكيفية زيادة إنتاجيتهم بكفاءة وفعالية. أما بخصوص توصية المجلس بأن تكون الهيئة مسؤولة عن الرقابة على الأداء الحكومي وضمان سلامته وجودته، فإني أعتقد أننا سوف نقع في معضلة ازدواج المسؤوليات والاختصاصات بين ديوان المراقبة العامة وهيئة الرقابة والتحقيق في مجال رقابة الأداء، فضلاً عن الازدواجية الموجودة في الرقابة المالية أصلاً، حيث إن الديوان من ضمن اختصاصاته الرسمية ممارسة رقابة الأداء على الوزارات والمصالح الحكومية والشركات والمؤسسات العامة، وذلك بناءً على الأمر السامي رقم 7/507/م وتاريخ 28/3/1406هـ، والقاضي بالموافقة على إعادة تنظيم الديوان على أسس ومفاهيم حديثة تلبي متطلبات تطوير العمل، وتم تحديث الهيكل التنظيمي للديوان وإحداث قطاع يختص بأعمال الرقابة على الأداء للتثبت من استخدام الجهات محل الرقابة لمواردها بكفاءة وبطريقة اقتصادية، والتحقق من نجاح تلك الجهات في تحقيق الأهداف المرسومة لها.
ومما سبق أقترح على مجلس الشورى وهيئة الرقابة والتحقيق القيام ببحث ودراسة مشكلة تأخر وغياب الموظفين واقتراح السبل المناسبة لحل هذه المشكلة، وقيام الهيئة بجولاتها الميدانية على أساس العينات الإحصائية والمسح المعلوماتي على الجهات الحكومية، وذلك لتفادي نقص الكوادر البشرية في الهيئة، وفحص الطرق الإدارية التي تنتهجها الجهات الحكومية في الرقابة على موظفيها بدلاً من قيام الهيئة بهذا العمل نيابة عن هذه الجهات.
كما أقترح التركيز على دور الهيئة في مجال التحقيق في المخالفات المالية والإدارية، وإعادة النظر في تصنيف هذه المخالفات والجزاءات والعقوبات المتعلقة بها، إذ نعاني من هذه المشكلة ولم يتم الالتفات إليها حتى الآن.
وأقترح أيضاً إعطاء صلاحيات أوسع لديوان المراقبة العامة في ممارسته لرقابة الأداء، حسب توصيات المنظمات الدولية والمهنية، وإعادة النظر في كل من اختصاصاته واختصاصات الهيئة لتفادي الازدواجية.