كل قصة الإنسان مع رتابة محطاته في الحياة مصدرها سبب واحد وحيد: فشله في أن يتخذ قرار التغيير في اللحظة المناسبة. خوفه اللامبرر من تبعات الخطوة التالية. هي قصتي الشخصية التي لن أتردد في نشرها للقارئ الكريم من أجل الدروس واتخاذ العبرة. غبت لأسبوع عن الكتابة ولولا ضغوط الأصدقاء الخلص لما عدت. كنت أشعر أنني بحاجة لمزيد من الوقت كي تبرأ النفس من جراحها المؤلمة وأقاوم هذه الكآبة والإحباط والاكتئاب كي أتخذ قرار التغيير في حياتي بنفس واثقة وأيضاً مطمئنة. أكمل اليوم ما يقرب من عشرين سنة وأنا – الراكد – في ذات المكان رغم بضع الفرص الواعدة المشرعة. وللمفارقة أيضاً، أكاد أكمل في هذا الشهر عاماً كاملاً بلا جواز سفر يأخذني لأرض الله الواسعة. عشرون عاماً، ثم أشعر بعدها أنني ضحية للفشل في اتخاذ القرار المناسب للحظة التغيير. استيقظت ثم اكتشفت أن الأصدقاء الأوفياء، إما أنهم كبروا علي، وإما أنهم هاجروا إلى مدن الشمال ثم بقيت من بعدهم في هذه المدينة ليسألوني عن أحوال الطقس، أو يتهكموا علي بما أسماه أخي الصغير في روايته الخالدة (أمالي الأرض السابعة). حتى – أبوريان – فاكهة هذه المدينة وأوفى الإخوة من مصير الدم المشترك لم يعد مثلما كان لي قبل عام من اليوم على الأقل. ومرة ثالثة فشلت في اصطياد الوقت المناسب للتغيير لأنني استسلمت للرتابة. واليوم تخنقني هذه المدينة لأن الأصدقاء هم أكسجين الحياة في حياة لم يعد فيها من الأكسجين ما يكفي للمسافة المتبقية من الماراثون.

أشعر أن حياتي مهددة بالانقراض مثلما أشعر أن كل صديق حميم يقضم من جسدي قطعة حين يرحل بقراره في لحظة التغيير في (مواسم الهجرة إلى الشمال). لم يعد لي في هذه المدينة إلا أشلاء لا يعرفها أحد ولا يعلم بها أحد. وصحيح جداً أنني أبث اليوم رسالة شخصية مليئة بكل ما في نفسي من الكآبة والأحزان، ولكن الصحيح أيضاً أنني أدعوكم ألا تكرروا ذات غلطتي الفادحة إذا ما سمحت لأحدكم فرصة. عشرون عاماً وأنا أكرر فيها كل يوم طبعة مستنسخة من اليوم السابق. حاولت أن أخلص فيها لكل شيء من ذات المناظر النمطية فلم أجد فيها سوى الخذلان والجحود، وهكذا أكاد أنتهي إلى نفس محطمة. الاعتراف بالهزيمة أولى خطوات الانتصار والعرفان للناكرين أولى درجات الفضل. هكذا هو التغيير.