أفضت الاجتماعات التي التئم حولها عدد من المسؤولين في وزارة التربية والتعليم ومديرية الدفاع المدني، بعد الحريق الذي نشب في مدرسة "براعم الوطن" في جدة، إلى ظهور ملف آخر لا يقل أهمية وهو ملف "المدارس غير النظامية" على السطح، وذلك بعد أن اعترفت وزارة التربية بوجودها وعدم وقوعها تحت مسؤوليتها.
وحذر عدد من الأمنيين والخبراء في حديث لـ""الوطن"، من مغبة المدارس غير النظامية، والتي تتركز بشكل كبير في المنطقة الغربية، وتمارس أنشطتها بدون جهات إشرافية أو رقابية منذ عدة سنوات وربما في أحسن الاحوال تحت مظلة جمعيات خيرية أو "إسلامية"، فيما تخوّف مسؤولون من الابعاد الامنية والسلوكية والفكرية المستقبلية لتلك المدارس" غير النظامية" التي تم حصرها والرفع بها لمعالجتها.
وعلمت " الوطن" من مصادرها في التربية والتعليم، أن تلك المدارس" غير النظامية" قائمة حالياً منذ عشرات السنين في بعض مدن المملكة، خصوصاً في المنطقة الغربية، وهي مدارس لجاليات معينة مثل"البرماوية والأفريقية والبلوشية"، وتم إنشاؤها لتدريس أبنائهم على نفقة البعض منهم دون الحصول على تصاريح أو إشراف من وزارة التربية والتعليم في السابق.
وأضافت المصادر، أن تلك المدارس في الغالب تقبع في مبان قديمة بأحياء عشوائية يصعب الوصول إليها بآليات كبيرة فيما لو دعت الحاجة لحضور آليات" الدفاع المدني"، فضلاً عن إكتظاظ تلك المدارس بأعداد الطلاب والطالبات.
وأوضحت المصادر أن مدراء هذه المدارس هم من أبناء الجالية نفسها وكذلك المعلمون ويتقاضون رواتب زهيدة من جهات خيرية مقارنة برواتب معلمي وزارة التربية والتعليم، ومنهم من لا يمتلك شهادات علمية جامعية تؤهله من تدريس الطلاب والطالبات.
عددها كبير
"الوطن" تقصت حقيقة تلك المدارس وواقعها، والتقت بمدير الدفاع المدني بالعاصمة المقدسة العميد جميل أربعين، الذي أكد وجود هذا النوع من المدارس "غير النظامية" التي لا تشرف عليها وزارة التربية والتعليم في الأحياء العشوائية، واصفاً عددها بــ" بالكبير والملفت للنظر.
وبين أنه تم حصرها بشكل كامل وتحديد مواقعها ووضعها الحالي وأهم المخالفات المسجلة بها، والرفع بها إلى إمارة منطقة مكة المكرمة وتزويد إدارة التربية والتعليم بالعاصمة المقدسة بصورة من الإجراء المرصود وينتظر توجيه الإمارة أو إجراءات الوزارة.
وحول طبيعة تلك المدارس، أوضح أربعين أنها مدارس خاصة بالجاليات، فيما يعتبر الجزء الآخر مدارس غير نظامية وتكثر فيها المشاكل، خصوصاً بشأن توفر وسائل السلامة وملائمة موقعها لوصول آليات الدفاع المدني وتحركها في حالة الحاجة لذلك، وأضاف "هذه المدارس لأنها غير نظامية فهي تقام بمواقع وأحياء عشوائية، إضافة إلى كثافة أعداد الطلاب في الفصول عكس الطاقة الإستيعابية النظامية في البعض منها يصل عدد الطلاب إلى "50" طالباً في الفصل".
وحول الإشراف على تلك المدارس "غير النظامية"، أوضح الأربعين أن هناك مدارس تشرف عليها جمعيات "إسلامية" وجهات أخرى، لافتاً إلى إشعار إدارة التربية والتعليم بتلك المدارس ومواقعها وأعدادها لاتخاذ الإجراء المنظم لها.
ولم يغفل الأربعين أن يبرز دور عمد الأحياء وبعض المواطنين الذي يقدمون بلاغات عن هذه المدارس، إضافة إلى جهود فرق المسح الوقائي في رصد مثل تلك المدارس، وتعاون جلي وواضح لمنسوبيها خلال إجراءات المسح الميدانية لجهاز الدفاع المدني.
ضرورة حصرها
من جانبه، شدد عميد كلية المعلمين بالرياض الدكتور علي بن عبدالله العفنان، على أهمية حصر تلك المدارس التي وصفها بـ" التجمعات العشوائية" والسعي لتأطيرها وتنظيمها وإيجاد مرجعيات لها حفاظاً على الأبعاد التربوية والفكرية والسلوكية والأمنية التي تقدم لمنسوبي تلك المدارس، مبيناًُ أن التربية والتعليم لا يمكن أن تكون عشوائية، خصوصاً في هذا الوقت وفي ظل التغيرات العالمية.
وتخوف العفنان من الآثار السلبية الناتجة عن مثل تلك المدارس غير النظامية من ناحية السلامة البدنية والفكرية لمنسوبيها، مؤكداً أهمية أن تكون تلك المدارس تحت إشراف جهة حكومية أو سفارات تلك الجاليات لضمان الجودة في التعليم والسلامة من خلال المتابعة المستمرة لها من تلك الجهات كما في بلدان العالم، وفي حالة كانت تتبع هيئات خيرية فلابد أن تخضع لإشراف الوزارة لضمان الحد الأدنى من الجودة من ناحية المحتوى التعليمي والأمن والسلامة.
وشدد العفنان على أهمية معرفة ماذا يدور داخل تلك المدارس غير النظامية من مناهج وأنشطة ولاسيما أن منسوبيها في الأخير هم ضمن المجتمع الذي نعيش فيه، لافتاً إلى أنه لا يمنع أن تدرس تلك الجاليات مناهج خاصة بها لربط أبنائها بتاريخهم الثقافي والاجتماعي شريطة أن تكون تحت إشراف التربية والتعليم.
وطالب العفنان بضرورة إخضاع تلك المدارس لمعايير المدارس الأهلية من تعيين مديرين لها من منسوبي وزارة التربية والتعليم مثلاً، ومتابعة خططها ومناهجها وتقييمها في آخر كل عام.