عندما كنا صغارا تربينا في ظل جبل من الأوامر والنواهي بعضها ما أنزل الله بها من سلطان!! فأنا كطفلة ليس من حقي التعبير عن رأيي بما يحدث حولي، بل ليس من حقي أن أشكو أخي الذكر لوالدي رحمه الله فأنا أنثى، وهو ذكر! وليس الذكر كالأنثى في مجتمعنا المحافظ، تربينا على غض البصر وخفض الصوت، لم أرفع بصري إلا ذات يوم عندما سمعت أن والدي رحمه الله اشترى ساعة، دفعني الفضول وتغلبت على خوفي ورهبتي، ونظرت لتلك الساعة التي كان أغلب رجال القرية يلبسونها ويتباهون بها، كانت القصص التي نسمعها أنا وأخواتي الصغار جميعها عن الذئاب البشرية والوحوش، تذكرت أنني رفعت بصري للمرة الثانية، عندما خرجت مع والدتي للسوق كنت أبحث عن الذئاب والوحوش البشرية، لكني لم أر إلا بشرا أشد حياء من النساء! سألت نفسي لماذا ننام بأمان؟ ونتسوق ونسافر باطمئنان؟ وفجأة رأيت رجلا يدعو إلى غض البصر والخوف من الله، أخذ يجهر بصوته ويذكر من حوله بغض البصر ومراقبة الله.

مرت الأيام وكبرت وكبر معي شغفي لمعرفة الإجابة عن سؤالي أين هم الذئاب البشرية، وفي يوم من الأيام ذهبت إلى مجمع في مدينتي رغم خوفي من الفساد المنتشر، من معاكسات وسرقات وغيرها الكثير، ذهبت فصدمت بالرجل قد نفش ريشه وتحول إلى طاووس يجول ويصول، يتحرش ويعاكس من ذهب عنهن الحياء، تعجبت من سرعة التحول بين الماضي والحاضر وإسقاط الحياء من روح الحاضر وكأنه معاقب، نظرت خلفي على صوت رجل بجانبه شرطي، وكأنه حرامي، يدعو بصوت منخفض بغض البصر والخوف من الله.

لماذا علت أصوات الوحوش البشرية وانتشروا، وكثر الظلم والفساد؟ لماذا يا أمي ذهب الحياء عن أغلب النساء؟ لماذا ترك أبناؤنا ورجالنا غض البصر؟ كثرت الأسئلة في عصر المعرفة والعلم، وسجنت الإجابات، بينما لم أعرف إلا سؤالا واحدا في عصر الجهل وقلة المعرفة، وليتني لم أر الإجابة!؟.

رجعت إلى البيت وفي طريقي وجدت أطفالا كالزهور يقفون عند الإشارات يتوسلون إلى أصحاب السيارات بهيئة غريبة. نعم غريبة! فأولاد الفقراء ليسوا بهذه الهيئة لأنه وبكل بساطة لا يوجد بيننا فقراء بمعنى الكلمة بل (مستورو الحال)، نظرت إليهم مرة أخرى فوجدت بجانبهم سيدات يصدرون إليهم الأوامر بالتنقل من إشارة إلى أخرى، ومن محطة إلى أخرى، ومن سوق إلى سوق، في منظر مكشوف يعرفه الصغير والكبير، فنحن في بلد الخير، بل في بلد المليون جمعية خيرية، بلد الضمان الاجتماعي، بلد المساعدات الإنسانية، من ولاة الأمر ورجال البلد الأوفياء.

فلماذا تعرض هؤلاء النسوة أولادهن للذل والمهانة التي سوف تلازمهم مدى الحياة، هل لأجل الدنيا وكسب المال؟ بئس عبد الدرهم والدينار، لماذا يا أمي نعرض أطفالنا للاغتصاب والحوادث؟ هل لأجل المال؟ هل فقدنا عقولنا؟ تذكرت كلام والدي رحمه الله "يا بنتي الزمن ما تغير، الناس هم اللي تغيروا!".