تغيّبُ الصورةُ الذهنية النمطية عن المجتمع المصري في الذاكرة العربية، عوالمَ شريحة مهمة من فسيفساء تشكلاته ومكوناته الديموغرافية. فالبادية المصرية تغيب كثيرا، مثلها مثل الثقافة النوبية، وإن كان من تداعيات ثورة 25 يناير طفو الصوت البدوي على السطح، خاصة فيما يتعلق جغرافيا بمنطقة سيناء المتماسة دوليا مع الاحتلال الصهيوني.
الكاتبة المصرية ميرال الطحاوي ربما تكون الأكثر شهرة ممن طرقوا البادية المصرية فنيا، دون أن ننسى حمدي أبو جليل صاحب التجربة الروائية المميزة في هذا الاتجاه.
في روايتها "نقرات الظباء" توغل الطحاوي بجرأة نحو ذات العوالم التي خاضتها في عمليها السابقين "الخباء" 1996، و"الباذنجة الزرقاء" 1998، وهي عوالم تفارق ما تواطأت الرواية المصرية على طرحه وتقديمه من موازاة الواقع المعيش في المجتمع، سواء في المدينة أو الريف، والتقاط متغيراته إما عبر تقنيات التسجيل أو المحاكاة المباشرة.
تخرج الطحاوي عن هذا المألوف في الرواية المصرية لتنقل عوالم البدو والبادية في دأب تستمد منه أعمالها قيمتها، بحسب الناقد فايز أبا.
كون العوالم التي تقدمها غير مألوفة لدى القارئ المصري الذي ظل محكوما برواية المدينة والقرية، وعبر رصد وتسجيل لواقعه يصل أحيانا حدود التوثيق للإيقاع اليومي من تاريخ وأحداث يتقاطع فيها السياسي مع الاقتصادي. بينما تطرح ميرال سؤال البداوة في مصر ممتدا إلى أطراف من العالم العربي (هوية وقيما ولهجة وطقوسا وفلكلورا وصراعا مع الوجود) في إطار سرد روائي غير متجاوز على صعيد مستويات الحكي، يتحرر على مستوى اللغة من الطاقات الإيحائية أو الدلالية للغة، ليكتسب التشويق إمكاناته من جدة الموضوع وطزاجة المشهد الذي ينفتح على مناطق الدهشة التي بدورها توفر متعة الاكتشاف لعوالم قد تبدو (سحرية) لقارئ تعود على عوالم ظلت ترفد منها الراوية المصرية.
أجواء "نقرات الظباء" تمتلئ بالنساء بدءا من (هند) التي (كانت دائما صغيرة وبجديلتين وأشرطة، رأيتها تجلس على ساق سيدة زنجية شديدة السمرة، وعلى رأسها عقدت منديلا أبيض وتطرحت بالسواد، عليها ثوب قصير بوردات، وعلى خصرها حزام من الخرز الذي تضعه الغجريات وتحته سروال منتفخ بربطة على معصم الساق).
وعلى هذا النمط من اللغة والسرد، تمضي الكاتبة في الإيقاع بـ(سهلة، وروز وسقاوة ومزنة وانشراح وفاطمة) ليفيضوا بحكاية الجد الأكبر (الشافعي السليمي)، ساعية لاقتحام مناطق جديدة في الرواية المصرية غير أنها بصورة ما تبدو كمن يغامر نحو فخ قد لا تنجو منه مكررة بالتالي ما وقع لإبراهيم الكوني الذي يفوقها عمقا بتمكنه من استيعاب أساطير الصحراء.