هاهم السوريون يتحولون إلى خبر عاجل على الفضائيات، دمهم المتدفق في الطرق وأشلاؤهم الملتصقة على الجدران تصبح خبرا طيارا تشيعه وكالات الأنباء وتسجيلات اليوتيوب، نقرأ خارطة مدنهم وتفاصيل جغرافيا قتلهم على الهوية في كل نشرة وعند كل موجز، تتدحرج المذبحة بدأب حاصدة طفلا نسيته قرارات مجلس الأمن وشيخا أطاشته القنابل الصدئة التي لا تستدل إلا على العزل، تجلس الكرة الأرضية على المدرج الكوني واضعة قدما على قدم تشاهد سيرك دراكولا البعث وفرانكشتاين الصمود والتصدي المليء بالبشاعات والمسوخ ونفث النار الأخلاقي بانتظار توصيات البند السابع، تتصاغر كل الصفقات والكلمات المنمقة للدبلوماسيين خلف منصات المؤتمرات الصحفية أمام السيدة التي شيعت وحيدها بالدعوات والدموع بعد أن مزقته القذيفة، تعرض الدنيا ضميرها في فاترينا القانون الدولي بانتظار إيماءة الدب الروسي الذي تساقطت أسنانه الشيوعية ومخالبه النووية وتراخت أوروبا المتصابية بوجوه وزراء خارجيتها المليئة بالحياد والبرود، فيما ينتظر العرب كعادتهم خلف التاريخ، تهرس الدبابة بجنزيرها جسدا تلو جسد، وتختار الطلقة كل يوم رأسا لتستقر به، فيما يكتفي مراقبو الجنرال مود تدوين مشاهداتهم كمذكرات لرحلة استجمام بقبعاتهم الزرق، تماما كما يختار الشبيحة كل يوم قرية لتصوير مشهد جديد من "باب الحارة" الذي ما زال مفتوحا على جرح الثورة والمظاهرات الصادحة بشعارات الحرية كأنبل ما تكون، يجللها المجد وتحفها مواكب الشهداء وكل ما حولها دخاني وخاكي، مجنزر ومدرع ومموه، لكن للأوطان مهرها الثمين، نعم تحول السوريون إلى خبر بشريط أحمر على الشاشات وهم يمشون في قافلة الدم التي طالت فيما النظام يتفسخ كجيفة في مكب ذاكرة البشرية، الذاكرة التي لن تنسى أن ثورة هزمت جلادها المهووس بالطائفة والتنظيرات اللفظية، في حين أن السكين التي مرت على رقاب العائلة القروية في التريمسة وقبلها في الحولة والقبير، سيكون لها موعد مع حنجرة حاملها يوما ما.