في أشهر الصيف بالذات تفتح أغلب عواصم بل كل مدن العالم أذرعها، تستقبل السياح من كل صوب وحدب. السياح أولئك الباحثين عن الحياة، والجمال.. والمعرفة والمفتشين عنها في حضارة وثقافة كل البلاد، على اختلاف أفكارهم واهتماماتهم، فيما يحرص المترف منهم على حمل أمتعته في أفخم الحقائب ذات الماركات العالمية نجد أبسطهم يحمل آلة التصوير الخاصة به وخرائط وحقيبة صغيرة فيها أغراضه الضرورية والضرورية جداً، ومن هنا نعرف توجه كل مسافر نحو مغزى وهدف السياحة لديه.

هنا سأتحدث عن مدينة جمعت تناقضات كثيرة هكذا رأيتها إنها برشلونة.. ثاني أكبر مدينة إسبانية يغزوها السياح في مختلف أيام العام، فطقسها يجذب الكثير منهم من الغرب والشرق، فمدن البحر الأبيض المتوسط وبرشلونة إحدى هذه المدن يمتاز جوها بالاعتدال.

برشلونة.. تختزل كثيرا من المدن عبر قارات العالم فيها.. أول وهلة تشعر أنك في الرياض وتأخذك الطرقات إلى بيروت والقاهرة ومنها تعبر إلى بروكسل.. وأمستردام.. وفجأة تجد أنك في أثينا أو لندن.. وبعض أحياء مدينة سان دييجوا حتى إن بعض جبالها تذكرك بالطائف وأبها! مدينة جمعت بين البحر والصحراء والجبل.. وكل التضاريس التي نعشقها.. إنها من نوع خاص بل إنها سحر خاص.

في برشلونة شارع مميز هو شارع الرمبلا أو (الرملة) هو قلب المدينة السياحي.. شارع التسوق والفن والموسيقى، منه تستطيع أن تستقل إحدى الحافلات الثلاث الحمراء أو الزرقاء أو الخضراء حتى تجوب المدينة وتتعرف إليها، فقد تميزت الخدمات السياحية المقدمة هناك، وهذا ما يؤكده عدد من العاملين في هذا القطاع، حتى إن قاصديها يزدادون عاماً بعد الآخر وبالأخص بعد استضافتها للألعاب الأولمبية عام 1992 التي ساهمت في تطور المرافق الرياضية في المدينة.

إن وجوه السياح هنا تلتقي مع بعضها بعضا في محاولة التقاط جزء من ثقافة هذه المدينة، فعروض رقصات الفلامنجو وهي الرقصة الإسبانية المشهورة التي تعود أصولها إلى مئات السنين في الأندلس، حيث يرمز معنى فلامنجو إلى الفلاحين الذين أصبحوا بلا أرض فاندمجوا مع الغجر فكانت هذه الرقصة للتعبير عن أحزانهم والتنفيس عما يشعرون به نتيجة فقد ثقافتهم وموروثهم الشعبي من خلال الموسيقى والفن، وقد تأثروا كثيراً بالإيقاع الشرقي والأغنية الأندلسية القديمة.

المطبخ الإسباني تستطيع أن تراه بوضوح في شوارع وأحياء برشلونة حيث يعتمد على الأسماك والخضراوات كثيراً، وبما أنك وصلت إلى هناك فلا بد أن تتذوق (البايلا وهي: طبق الرز بالزعفران مع أنواع من البحريات في مقدمتها الربيان)، التاباز: وهو أنواع مختلفة من الخضار والأسماك المقلية)، وفي المطبخ الإسباني يكثر استخدام زيت الزيتون والملح والفلفل والزيتون، فأشجار الزيتون تنتشر وبكثرة هناك، بل إن زيت الزيتون يستخدم للقلي أيضاً نتيجة وفرته.

في نهاية الشارع تمثال كريستوفر كولمبوس الرحالة الإيطالي، وهو يشير للعالم الجديد حيث بدأت رحلاته من هنا من موانئ برشلونة، التي مولها الإسبان وقادته هذه المدينة إلى بلاد الحرية إلى أميركا.

تعد برشلونة مدينة الفنون، وهناك أماكن يجب أن يزورها السائح خصوصاً إذا كان من عشاق الفن والرسم كمتاحف الفنانين العالميين بيكاسو وسلفادور دالي وميرو، وإذا كنت من محبي التاريخ فلا تفوتك زيارة متحف تاريخ كتالونيا وآثارها منذ ما قبل التاريخ حتى القرون الوسطى مع عرض الآثار الخاصة بكتالونيا ومع شرح توضيحي لها.

كنيسة العائلة Sagrada Familia التي بناها المهندس جودي تعد من أهم المعالم الحضارية حيث استغرق بناؤها ما يزيد على 100 عام ومازال البناء مستمرا فيها، وتحتاج إلى ما يزيد على 80 عاما لإكمالها، ترى فيها جمال البناء المعماري وتفوق هذا المهندس في التصميم وإضافة اللمسات الجمالية على الصورة النهائية للبناء.

الرائحة العربية في هذه المدينة تراها في بعض المباني حيث يمكن رؤية الطابع الإسلامي المتمثل في الأقواس واللغة الإسبانية مشبعة بكثير من الكلمات العربية، كما تلحظ التقاطيع العربية الأصيلة على بعض الوجوه من الإسبان ذوي الجذور القادمة من الصحراء الأفريقية أولئك الذين يعترفون بأصولهم العربية، لكن رائحة العنصرية تفوح حين تجد أن كل اللغات استخدمت كوسائل ترجمة في حافلات السياحة واستثنيت اللغة العربية، رغم أنها إحدى أهم لغات الأمم المتحدة المعترف بها على مستوى العالم.

يطلق أهل برشلونة (من الأصول الكاتلونية) على أهل مدريد لقب بقايا العرب في إضافة جديدة لغرق هذه المدينة بالعنصرية، حيث تشوبها العبارات المعادية والرافضة للآخر (حتى الإسباني من غير أصول كتالونية)، فتجد على جدرانها عبارات بذيئة تعبر عن كراهيتهم للأجانب، وفي برشلونة لن تجد من يتحدث معك إلا الكاتلونية أو الإسبانية، لذا فإذا كنت ممن لا يتقنهما فلن تجد منقذا لك إلا لغة الإشارة للحصول على ما تريد والرد على استفساراتك.

رياضياً إن كنت من مؤيدي فريق ريال مدريد فمن الأفضل لك ألا تعلن ذلك صراحة، فمحبو نادي برشلونة وهو النادي الأهم في كاتلونيا قد كتبوا على مطاعمهم عبارة (ممنوع دخول مشجعي فريق ريال مدريد) هكذا صراحة دون خجل، حتى إن أحدهم كتب العبارة التالية: (ممنوع دخول الحيوانات والريال مدريديين)، لكن إن كنت من مشجعي نادي برشلونة الذي يحب أن يطلق عليه محبوه اسم بارسا، وهو أحد أكثر أندية إسبانيا نجاحاً فلا تخش أحدا، بل بإمكانك أن ترتدي زيهم وتجوب شوارع المدينة وسيصفق لك كل من يراك.

لن يفوتك في نهاية رحلتك لبرشلونة أن تقتني التذكارات من هذه المدينة الجميلة، ولك الخيار ما بين تحف تشير إلى فن المهندس جودي أو صور لأحد الرسامين المشهورين أو علم نادي برشلونة الذي أسر قلوب المشجعين من جميع أنحاء العالم.