ما زال كثير من المواطنين مقتنعين بمحدودية صلاحيات مجلس الشورى، وما زال الكثيرون يأملون من أعضاء المجلس الموقر ألاّ يكون وجودهم كعدمه، بل يكونوا إيجابيين وفاعلين في الصالح العام من خلال فعل "الابتكار"، أي مناقشة واقتراح وانتقاد المشروعات المختلفة التي هي في نهاية الأمر تصب في مصلحة مستقبل التنمية في بلادنا، وذلك قبل عرضها على الجهة التنفيذية في البلاد (مجلس الوزراء) لاعتمادها.

مؤخراً أثارت مداخلة الدكتور عبدالرحمن العناد (عضو مجلس الشورى) بصمة خاصة وإيجابية في المجلس حين قال: "إن دور المجلس لا يتعدى البصم على الأوراق"، مما جعل رئيس المجلس الدكتور عبدالله آل الشيخ يرد بالقول: إن المجلس لا يتلقى أي توصيات أو أوامر من أحد، وإن من حق أعضائه إبداء آرائهم على التقارير التي ترد إلى المجلس من الجهات الحكومية.

ملاحظة الدكتور العناد كانت حول تقرير لجنة الشؤون الاقتصادية والطاقة بشأن خطة التنمية التاسعة، حيث وصف اللجنة في تعاملها مع مشروع الخطة وكأنه "قرآن منزل لا يمكن التعديل فيه" على حد قوله. موضحاً أن الأهداف والبرامج والآليات يمكن تعديلها أو استبدالها، مشيراً بطرافة إلى أنه في حالة تحقق أهداف الخطة بكاملها، فإنه يجب منح أجهزة الدولة إجازة في السنوات الخمس التي تليها؛ لأننا لن نعاني من أي مشاكل خلالها في كافة القطاعات الخدمية.

هذه الملاحظة مهمة بطبيعة الحال، فخلافاً لكونها جاءت لتحث الأعضاء على الفعل الإيجابي في انتقاد المشروعات التي تمر على المجلس، أيضاً هي تعبّر بدقة عن رأي المواطن ورؤاه، وخاصة أن الفكرة الشائعة لدى كثير من المواطنين أنهم لا يرون فيه سوى كونه جهة اعتماد روتينية لقرارات نافذة سلفاً، وأن الكثير من أعضائه يمثلون أنفسهم فقط؛ لأن منهم من دخل المجلس وخرج منه ولم ينبس ببنت شفة، إذ لم يؤثَر عنه جملة مفيدة واحدة، وكأنما أن هؤلاء يعتقدون أن اختيارهم جاء كمنصب شرفي!

لقد علّقتُ على صفحة الدكتور عبدالرحمن العناد على موقع facebook بالقول إنني لن أجامل إذا قلت إنه من الأعضاء الذين أشعر أنهم يمثلونني كمواطن في مجلس الشورى، لما له من مواقف وطنية مشرفة، وأنا أعرف تماماً دوره وموقفه كمثقف منذ أن كان في الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان. صحيح أن المواطن يعلم صلاحيات المجلس وحدوده.. ولكن هناك أعضاء دلفوا للمجلس وخرجوا ولم يتفوهوا بكلمة! فجميل أن يكون لموقفه هذا وغيره تأثير إيجابي على بقية الأعضاء.

وعلى الجانب الآخر هنا، أتمنى أن يتقبل الدكتور عبدالرحمن انتقادي أيضاً بصيغة سؤال: هل تأخر الدكتور عبدالرحمن في إعلان بعض آرائه؟ فهو منذ 9 سنوات عضو في مجلس الشورى ولم تظهر آراؤه هذه بشكل صريح ومباشر إلا مؤخراً، فهل ذلك بفعل تماهي شفافيته مع شفافية المرحلة؟ أم إن السنوات التسع الماضية جعلته يملَّ روتين المجلس؟ أم إن هناك أسباباً أخرى ربما دعته إلى الجلوس على مقاعد الجهة اليسرى؟

المجلس ذاته-حتى الآن- غير قادر على تأدية دور إيجابي فيما يتعلق بمتطلبات المواطن في القضايا المهمة التي تخص فئة كبيرة من المجتمع، حيث ما زال المجلس مصراً على مناقشة ميزانيات الجهات الحكومية بعد سنوات من انتهاء العام المالي، وما زال مصراً على عدم المطالبة بنقل جلساته على الهواء مباشرة، وكأن المواطن السعودي ليس مؤهلاً لذلك، رغم أن الإعلام المحلي سبق أن كشف عن متعة النوم تحت قبة المجلس. وكنت قد كتبت مقالاً بهذه الصحيفة في (19 يناير 2007) ذكرتُ فيه قصة طريفة لعضو كثير النوم في البرلمان العثماني (المبعوثان)، وقلت إن ما حدث له في المبعوثان قد يحدث في مجلس الشورى. ونظراً لأن الملاحظات والمشكلات التي تطرقتُ إليها قبل ما يقارب ثلاثة أعوام في ذلك المقال ما زالت موجودة؛ لذلك أجد أنني مضطر لتكرار ما ذكرته سابقاً، وهو أنه لا يجوز لنا أن نتجاهل دور وفاعلية واجتهاد بعض أعضاء المجلس فيما يخص التصويت والتوصيات الجيدة، وأن من يمثلني كمواطن في المجلس ليس ابن منطقتي أو قبيلتي أو أسرتي، لكنه العضو الذي يتبنى قضيتي ويدافع عن مصالحي، آمل فيه أن يكون كما قال المسيح عليه السلام: "إنما أنا صوت"!

والصوت ربما لا يعني حل المشكلة من جذورها بقدر كونه تسجيلاً لموقف. وبالنسبة لي كمواطن أريد من أعضاء الشورى بدايةً أن يعتمدوا القطيعة مع أفكارهم السلبية السابقة؛ بمعنى أن يتخلوا عن الاعتقاد بأنهم آتون للدوام في وزارة أو مصلحة حكومية، بل أرجو أن يضعوا في اعتبارهم أنهم إنما جاؤوا لهذا المكان كنواب عن المواطنين في رعاية مصالحهم والدفاع عنها، ولو تعارضت مصلحة المواطن مع مصالحهم الذاتية.