-1-

مسؤولية مَنْ ظهور كتّاب سعوديين جُدد؟ هل مسؤولية التعليم، أم الإعلام، أم من؟ فالحياة الثقافية والإعلامية في المملكة العربية السعودية، بحاجة دائماً إلى كتّاب جُدد، لتجديد حياة الثقافة والإعلام. وهذه الحياة، بحاجة إلى مزيد من الروائيين، والشعراء، والمؤرخين، وكتّاب الأعمدة اليومية والأسبوعية المتخصصين في مجالات مختلفة كالصناعة، والزراعة، والاقتصاد، والعلوم، والدين، والسياسة، وغير ذلك. ومن الملاحظ، أن النظام التعليمي - ليس في المملكة فحسب، ولكن في كافة أنحاء العالم، وعلى مدار التاريخ البشري- لم يُخرِّج لنا روائياً، أو شاعراً، أو فيلسوفاً، أو كاتباً. فهذه كلها تحتاج إلى موهبة خاصة، وإلى قدرة ذاتية، ومعادلات كيميائية معقدة جداً. ولكن الإعلام المعاصر والمتقدم، يمكنه أن يدفع بالموهوبين خطوات واسعة إلى الأمام، ويبشر بجدارة إلى ظهور كتّاب جُدد. وتلك هي مهمة الإعلام السعودي الآن، والذي لو خطاها، لكان الرائد العربي، والرائد حتى في العالم الثالث كله، في دوره، لإبراز المواهب الثقافية الجديدة. وهو دور ثقافي وحضاري مميز، سيكون معه الإعلام السعودي القدوة الحسنة، في هذا الشأن.

-2-

في مقال المفكر المصري الراحل فؤاد زكريا عام 1971 (حديث عن الشباب والثقافة)، الذي أعاد نشره في كتابه (آراء نقدية في مشكلات الفكر والثقافة، 2004)، قدم لنا فؤاد زكريا فكرة جميلة، تساهم في إبراز كتّاب جُدد مستقبلاً. وسبب اهتمامه بهذه الفكرة ملاحظته أن الطلب على الكتّاب والمثقفين قد زاد عن العرض. وهو يقول: "لقد أُتيحت لأبناء هذا الجيل، فرص في ميدان الثقافة، تزيد بكثير عن تلك التي كانت متاحة لكل الأجيال السابقة. فهناك إلى جانب الصحافة، حاجة متزايدة إلى الإنتاج الثقافي في ميدان التأليف بكافة أنواعه".. وهذا الكلام، كُتب في أوائل السبعينات من القرن الماضي، ولم تظهر بعد الفضائيات العربية، التي انتشرت في الفضاء العربي كالفِطْرِ في نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي، وأخذت تلتهم على مدار الساعة، كميات هائلة من المواد الثقافية والسياسية، في مختلف برامجها. وتحوّل على إثرها كثير من المثقفين من مفكرين جادين إلى مجرد إعلاميين، لا يحللون، بقدر ما يذكرون تفاصيل غير مفيدة، عن خبر ما، أو حادث ما.

-3-

وهذه الفكرة التي طرحها الراحل فؤاد زكريا، الذي كان أستاذ الفلسفة في جامعة القاهرة، ثم رئيس قسم الفلسفة في جامعة الكويت، ورئيس تحرير مجلة "الفكر المعاصر" المصرية، تتلخص في إقدام مجلة "الفيجارو الأدبية" الفرنسية على نشر أفضل موضوعات "الإنشاء"، أو "التعبير"، التي يكتبها طلبة وطالبات "الثانوية العامة" الفرنسية. ووقع اختيار المجلة ذات مرة، على ثلاثة مواضيع، هي:

1- هل تقبل بلا تحفظ الرأي القائل إن "العمل مصدر الثروة"؟

2- هل يحتاج البحث العلمي إلى منهاج ما؟

3- هل نحن نصنع التاريخ، أم التاريخ يصنعنا؟ وكانت دهشة فؤاد زكريا كبيرة، وهو الذي قرأ هذه النصوص الثلاثة باللغة الفرنسية، وقال معلقاً عليها: "كان النضج والعمق، اللذان عالج بهما هؤلاء الطلبة، في مرحلة المراهقة، موضوعات مهمة كهذه، أمراً يدعو إلى الدهشة حقاً. فقد كانت كتاباتهم على مستوى المفكرين الكبار. والمرء لا يملك إلا أن يُعجب بعمق الثقافة، ودقة التفكير، والتخيل، ناسياً تماماً أنه أمام شباب صغار".

-4-

وأرى، أن تقوم الصحف بتنفيذ هذه الفكرة في المملكة، بالخطوات التالية، فلربما نكتشف، أو نعثر على مفكري المستقبل السعوديين، ويخرج منا من يُعجب ويُشيد بهم، كما فعل فؤاد زكريا من قبل:

1- تحديد أسماء المدارس الممتازة بنتائجها السنوية، من البنين، والبنات.

2- الاتصال بهذه المدارس وطلب أسماء الطلبة الممتازين في مادة "التعبير"، أو الإنشاء.

3- قراءة وفحص المواد المرسلة من هذه المدارس.

4- اختيار المواد الممتازة، الخالية من كثير من الأخطاء اللغوية والإملائية، وذات موضوعات مهمة لها علاقة مباشرة بقضايا يعاني منها المجتمع السعودي، أو المجتمع العربي، أو البشري عامة.

5- نشر بعض هذه المواد الممتازة، في باب جديد تستحدثه الصحيفة، تحت عنوان "من كتّاب المستقبل"، على سبيل المثال، تشجيعاً لهذه المواهب، وتنمية لها.

6- مكافأة المواهب المنشورة مقالاتهم مكافأة رمزية جداً. وسوف تعتز هذه المواهب بهذه المكافأة، ولن تنساها طوال حياتها. فأنا عندما كتبت كتابي الأول عن الفن القصصي عن "تشيكوف"، عام 1962 وكنتُ في السنة الجامعية الثانية، وقدمته للراحل الحاج محمد مدبولي (صاحب مكتبة مدبولي في القاهرة) أعطاني 18 جنيهاً مصرياً في حينها، مقابل نشر كتابي. وما زلت أحتفظ بهذه الجنيهات الثمينة حتى الآن، ولم أصرفها، منذ نصف قرن، وأعتز بها، وكأنها مال قارون!

-5-

فإذا أقدمت إحدى الصحف على ذلك، فستكون رائدة في اكتشاف المواهب الثقافية. حيث إن اكتشاف المواهب في العالم العربي منصب فقط ـ للأسف الشديد ـ على المغنين والمغنيات، والممثلين والممثلات، والنجوم في المجال الفني بشكل عام، والذي تفسح له الفضائيات العربية المشهورة، مساحات واسعة من برامجها، وتبني له المسارح الجميلة، والصالات الواسعة. وقد أصبح العالم العربي، والمملكة العربية السعودية، بحاجة ماسة إلى مزيد من المثقفين للقيام بالمهام الثقافية اللازمة والمطلوبة.