سئمنا أوهام التطلعات الفكرية المخاتلة، والإحباط النفسي شديد الوطأة ونحن نطالب بإنشاء صندوق للتنمية الثقافية، يتولى الرعاية والعناية والاهتمام بالمبدعين، والإيمان بدورهم في سلم النسق البنائي كحاضنين للمحتوى المعرفي ومؤثرين في الفعل التاريخي وتحولات المجتمعات الحية والناهضة.
لا أجد تفسيراً واحداً لنزعة الانهدام وتمزيق اللحمة بين المبدع والمؤسسات الثقافية ذات الخطاب الضخم في منظومتها القيمية ومعالجاتها الورقية، فعندما تتأمل "الاستراتيجية الوطنية للتنمية الثقافية" التي أصدرتها وزارة الثقافة والإعلام ممثلة في الهيئة الاستشارية قبل ثمان سنوات يسترعي انتباهك بابا بعنوان فضفاض "حقوق المثقف ودوره في التنمية" فلا تجد إلا أمنيات افتراضية مستقبلية تبدأ بمقولات مثل: تحقيق، تخليص، زيادة ، إشراك، تحويل، استقطاب، وتبحث بين تلك المفردات الرخوة والحامضة ضمن ذلك الخطاب البلاغي والتخلقات التعبيرية الذي يفضي إلى معنى الاهتمام والرعاية فلا تجدها، مما يثير القلق والتوتر واحتدام الهواجس، وبعيداً عن اللغة الحجرية والرجم بالكلمات التي يمارسها بعض ضد المثقفين واتهامهم بالعجز والعقم والهشاشة والهامشية والإفلاس لتستوطن هذه التراجعات الأذهان وتحجب الحقيقة البدهية، التي بالمحصلة قادت المؤسسات إلى مناهضة ذلك المبدأ الإنساني المستحق، أعني الرعاية.
لقد طالت المساجلات والطحن في الهواء حول رعاية المثقفين وفي مرحلة العجز والمرض والفقر والشيخوخة بالذات، وكم أحزنني بالأمس أن أرى صديقي الأديب علي حسن الأسمري يتوكأ على الجدران المنقوعة بالمطر، ويهم بالدخول إلى نفق الخريف المر، يتلفت بعينين ناحلتين من فرط الكآبة كأنه يحدق في بئر مهجورة، يقطع الأرصفة الكسلى وحيداً إلا من فحيح الليالي القاسية وعاصفة المرض الجبار، فها هو يعرض مكتبته المنزلية للبيع ليوفر قيمة الدواء.
إن هذا الفعل يؤرخ لجرح راعف وإحساس منكسر وخيبة حادة، بل إدانة للمسرح العبثي والكوميديا السوداء التي تمارسها كل المؤسسات الثقافية، ولا أستثني أحدا، لقد أمعن الوجع واستبد بهذا الأديب الذي أسهم قبل نصف قرن في الكتابة للصحافة السعودية، وكان أبرزها حضوره المتميز في مجلة المنهل في الثمانينات الهجرية حيث كان يحرر رسالة عسير وما بعدها من مشاركات أدبية وشعرية وإدارية، ولكنه اليوم يعبر إلى أزمنة التيه وزوابع الريح وانطفاء العمر، وللحق وللتاريخ فقد تبنى الأديب الرائد محمد عبدالله الحميد رئيس نادي أبها الأدبي السابق فكرة إنشاء "صندوق الأدباء" واستطاع من خلاله الانفتاح على كثير من معاناة الأدباء، وجبر خواطرهم ونفض الغلالة الداكنة عن أرواحهم، حيث قام بذلك المشروع بجهد ذاتي ودافع إنساني نبيل.