السؤال الذي نريد طرحه هنا هو: هل يتحقق دخول الطالب للجامعة التي يريدها حسب قدراته وميوله؟ هذا سؤال كبير يجب أن نراجع ممارسات القبول واختبارات القدرات والتحصيلي للإجابة عليه. هناك أمور تتعلق بجانب القبول في الجامعات وأخرى تتعلق بالاختبارات التي تحدد قبول الطلاب في الجامعات من عدمه ابتداء، وثانياً تحديد الكلية التي سيقبل فيها. الذي يمارس ـ فيما أظن ـ أن الكليات لها أعداد محددة يقف القبول فيها عند نسبة معينة إذا ما وصل العدد إليها يقف القبول في تلك الكلية ويحول الباقون الذين طلبوا هذه الكلية إلى كليات أخرى حتى لو لم يرغب الطالب الدراسة فيها ولم تكن تحقق ميوله.. وأريد من أصحاب السعادة عمداء القبول أن يتمعنوا في هذا السؤال ويعتبرونه سؤالا بحثيا ورد في استفتاء: هل يمكن من وجهة نظركم، وأنتم الأكاديميون، لأي طالب أن يتميز إذا أجبر على الدراسة في تخصص لا يميل إليه؟ أسألكم بالله جاوبوني بكل صدق.. وأجزم وأنا أكاديمي مثلكم (أستاذ مشارك) أن الإجابة على هذا السؤال "بإنه لا يمكن"، إذن، والأمر كذلك، لماذا تدفعون بطلابنا إلى دراسة تخصص لا يميلون إليه بحجة أن المقاعد انتهت؟ أليس هناك حل؟ أم هذا هو النمط الأسهل الذي اخترناه لأنفسنا وأجبرنا الطلاب أن ينفذوه؟ ألا نفكر بمستقبل الوطن الذي ندفع إلى مؤسسات التنمية المختلفة فيه بخريجين درسوا تخصصات لا يرغبونها وتخرجوا بمستويات ومجالات أعمال لا يرغبونها.. نعم، هم دُفعوا إلى تخصص لا يرغبونه والنتيجة تخرج بمستوى متدنٍ ثم العمل في مجال لا يرغبونه.. فما مستويات إنجازهم في هذه الحالة؟ بالطبع تدني إنجازاتهم بحكم دفعهم إلى تخصصات يعلمون ونعلم أنهم لن يبدعوا فيها..

ثم إنني من مبدأ النقد الموضوعي الهادف الذي قد يعمل على تحسين مستوى اختبار القدرات والاختبارات التحصيلية أسأل مع الزميلة عزة السبيعي:

"في البدء أريد أن أحدد ماهية الطالب الذي تريد الجامعات لدينا استقطابه؟

تقول الدراسات إن أهم ما يجب أن يكون عليه الطالب الذي يُمنح شرف إكمال الجامعة؛ ومن ثم تبوّء منصب مهم في الحياة هو تحليه بالقيم؛ ومن ثم مهارات التخاطب والكتابة والتفكير الناقد ومهارة استخدام التقنية...إلخ.

هل يقيس ذلك (قياس) باختبار ورقي لمدة ساعتين ونصف يعتمد على نوع واحد من الأسئلة هو الاختيار من متعدد؟

أين قياس قدرته في الأسئلة المقالية؟ أين قياس قدرته على التحدث والكتابة باللغة العربية وباللغة الإنجليزية؟

أين قياس مهارته في استخدام التكنولوجيا والحاسوب تحديدا وسرعة الطباعة عليه... إلخ؟

أين الموقف الذي أقيس به مهارته في حل المشكلات؟

أين الاختبار الذي أقيس به قدراته ومهاراته البحثية؟

كيف أعرف درجة تحليه بالقيم؟ ثم ماذا لو كان الطالب مريضا وقت الاختبار أو يعاني من مشاكل أسرية أو أي ضغوط أخرى؟".. هذه أسئلة مهمة طرحتها الزميلة ولا بد من الإجابة عليها لتحسين مستوى هذه الاختبارات حتى لا يذهب ضحيتها طلابنا..

عندما نمعن النظر في السياسة التي بموجبها تم تبني تعرض خريجي الثانوية العامة لاختبار القدرات والاختبار التحصيلي نجد الكثير من المبررات والأسباب والمنطق والأهمية لتبني تلك الاختبارات. لكننا يجب أن نتوقف قليلاً عند الممارسة لننظر بشكل علمي ودقيق في كل ما طرحناه هنا...

هذا أمر، والأمر الآخر أننا لا نعرف العوامل المؤثرة على تحديد نتيجة الطالب التي يجب التحكم فيها واستبعاد التي لا تحقق العدالة بين الطلاب في النتائج، لأن هناك عوامل يجب أن يعرفها القائمون على هذه الاختبارات.

تعلمنا من البحث العلمي أنه لا بد من التحكم في كل تلك العوامل التي قد تكون في صالح فئة ضد فئة. من تلك العوامل نوع المدرسة التي يدرس بها الطالب، وعدد طلاب الفصل في المدرسة، والمكتسب الاقتصادي للطالب، ومكان وزمان الاختبار ومدى تعرض الطلاب لاختبارات تجريبية لكلا الاختبارين (القدرات والتحصيلي).. وغيرها عدد من العوامل المؤثرة في نتيجة الاختبارات خارج نطاق مستوى الطالب الحقيقي، وأجزم تماما أن القائمين على تلك الاختبارات من الزملاء الذين أعرفهم جيدا على قدر من التأهيل والقدرة والتمكن من معرفة هذه الأمور والتعامل معها، والذين آمل منهم الالتفات لهذه القضية وإيجاد الحلول لها، دفعا للظلم الذي يتعرض له بعض الطلاب من ذوي القدرات العالية الذين تقف أمامهم هذه القضية حائلاً دون دخولهم الكلية التي تتناسب مع قدراتهم.

هذه مشكلة تواجه المتمكنين من الطلاب. وقضية أخرى وهي أنه يجب أن يستفاد من اختبار القدرات والاختبار التحصيلي بعد التحكم في كل العوامل المؤثرة في نتيجة هذه الاختبارات لعلاجها، وذلك بأن تستثمر نتائج الاختبارات في تصنيف الطلاب حسب قدراتهم، فيوجهون إلى ما يناسبهم من المجالات الإدارية والمهنية، بحيث تتم مساعدة الطلاب وأولياء أمورهم، بل وإقناعهم بناء على بيانات ونتائج علمية بأن هذا المجال يناسب هذا الطالب، وأن غيره من المجالات سيتسبب في إخفاقات متلاحقة للطالب تؤول به إلى رقم إضافي في إحصائية البطالة. وأرى أننا حين ندفعهم إلى تخصص لا يريدونه فإن ذلك تكريس للبطالة ومعاداة لكل الجهود التي تبذل لمحاربتها، إذ كيف يتجاوز المتقدم للوظيفة المقابلة الشخصية واختبارات الوظيفة إذا أجبر على مجال لا يرغبه؟ إن من مساوئ هذه الاختبارات أنها تعزز هذا التوجه..

وخلاصة القول، أن هناك معاناة لكثير من الطلاب وكثير من الأسر نتيجة عدم حصول الطلاب على درجات تؤهلهم لدخول الكليات التي يريدونها. وهناك أسباب مختلفة أدت إلى هذه المعاناة المتكررة. والذي نرجوه من الجهات المشرفة على هذا المشروع أن تعيد النظر في هذه الاختبارات بناء على ما ذكرناه هنا.. وأعرف الزملاء القائمين عليها وهم أكاديميون مرموقون ويعرفون تمام المعرفة أن أي مشروع جديد لا بد أن يتعرض للتقييم بعد تطبيقه لفترة معينة.. والممارسات تكشف الكثير من السلبيات، وها نحن نعاونهم بالمجان لتحسين مستوى هذه الاختبارات وجعلها تؤدي الدور الذي يجب أن تؤديه بشكل مناسب لا يُظلم فيه أحد، ففي ذلك رفع المعاناة عن طلابنا وأولياء أمورهم.. أنا متأكد أنه عندما يتم تقييم هذه الاختبارات بشكل علمي، آخذين في الاعتبار ملاحظات كل الفئات (360 درجة) فإننا سنصل بأداء تلك الاختبارات إلى مستويات نرضى عن نتائجها.. ولنا في الاختبارات العالمية القدوة والمثل، فلم تصل إلى ما وصلت إليه من المصداقية والثبات والتفريق بين المختبرين إلا بعد فترات من التقييم والتمحيص..