على أية حال، وسواء اتفق البعض أو اختلف، على استحقاق عبده خال للبوكر العربية، يبقى أنه روائي مبدع، حاول الإمساك بلحظات من التاريخ والتراث وتوظيفها وإسقاطها على الواقع في محاولة للتغيير بأنبل الوسائل: الفن!.
هذا على مستوى روايات عبده خال بشكل عام، أما على مستوى روايته "ترمي بشرر" الفائزة بالبوكر، فقد لخصت لجنة الجائزة حيثيات الفوز في أن الرواية: "ساخرة فاجعة تصور فظاعة تدمير البيئة وتدمير النفوس بالمتعة المطلقة بالسلطة والمتعة المطلقة بالثراء، وتقدم البوح الملتاع لمن أغوتهم أنوار القصر الفاحشة فاستسلموا إلى عبودية مختارة من النوع الحديث".
والحقيقة أن هذه الحيثيات تنطبق على عشرات الروايات في عالمنا العربي، ولا تتفرد بها "ترمي بشرر"، ومن ثم تساءلت آراء كثيرة: هل الرغبة في كسر الاحتكار اللبناني المصري لهذه الجائزة كانت هي الدافع لاختيار رواية عبده خال (السعودي)؟!.
رئيس لجنة تحكيم الجائزة طالب الرفاعي نفى تماماً ما تردد حول توجيه الجائزة، وتحدث في حفل الإعلان عن الفائزين عما أسماه "لوحة للمعايير" شكلت خلفية اختيار الرواية الفائزة، وتضمنت هذه المعايير ـ بحسب الرفاعي ـ: "جدة موضوع الرواية"، و"قدرة اللغة الروائية"، و"تفرد بناء الشخصية"، و"لعبة الزمن والعلاقة بين زمن القص وأزمنة التذكر". ونفى تماماً أن يكون غرض البوكر ـ بوازع غربي ـ تعرية المجتمعات العربية من خلال اختيار أعمال روائية بعينها.
والحقيقة أنه لو أن روائيي مصر ولبنان والسعودية كانوا هم (فقط) المشاركين في الجائزة، لكان للاتهام بتوجيهها منطق أو وجاهة، قبلنا بها أم لم نقبل، أما أن يبلغ عدد الروايات المتقدمة للجائزة 118 رواية، خرج منها خمس روايات لأنها جاءت خارج المواصفات، لينتهي الاختيار إلى 113 رواية من 63 دار نشر تمثل 17 دولة عربية (وليس السعودية ومصر ولبنان فقط)، فإن الاتهام بتوجيه الجائزة هنا اتهام في غير محله، ولا يستند إلى منطق!.
وإن كانت حيثيات الفوز ـ كما قلت ـ تنطبق على عشرات الروايات العربية، فإن المعايير التي تحدث عنها رئيس لجنة التحكيم تجعل فوز "ترمي بشرر" فوزاً منطقياً ومستحقاً.
بعد الهجمة الكبرى لأعمال لا يمكن أن تصنف على أنها (رواية)، ولكنها ـ مع الأسف ـ صُنفت وطبع منها عدة طبعات!، كنا في حاجة ماسة إلى عمل حقيقي يحفظ للرواية السعودية بهاءها وجمالها وأصالتها، فكانت "ترمي بشرر"، فلماذا يسعى من يسعى الآن للتشكيك في مثل هذه الروايات الجادة؟!.