أقرت الدولة ـ حفظها الله ـ الأسبوع الماضي مجموعة من الأنظمة التي تعالج جانب تمويل العقارات السكنية، والتي تتضمن أنظمة الرهن العقاري، وأنظمة الإيجار التمويلي، وأنظمة التمويل العقاري، على أن تقوم وزارة المالية مع وزارة الإسكان بوضع اللوائح التنفيذية والضوابط اللازمة لممارسة النشاط الخاص بالتمويل العقاري، وذلك خلال مدة لا تتعدى (90) يوما. ويركز الإيجار التمويلي على توفير صيغة للتمويل من قبل شركات مساهمة متخصصة في الإيجار التمويلي لتمكين المستفيد من الانتفاع بجميع الأصول العقارية، وإتاحة الفرصة للمستفيد من ذلك المنتج التمويلي لتملك الأصل أو الحق، ووضع الضوابط اللازمة لممارسة ذلك النشاط بما يكفل تقليل المخاطر على أطراف الإيجار التمويلي وتجنيب القطاع المالي الممارسات التي قد تؤثر سلبا على سلامته. وقد تم إسناد مهمة الإشراف والرقابة على الإيجار التمويلي إلى مؤسسة النقد العربي السعودي.
ومما لا شك فيه أن نظام الرهن العقاري، ومن ضمنه التمويل العقاري، مطلب عملي وجزء من الحل الشامل لمشكلة السكن في المملكة، وهذا ما أدركته وعملت عليه القيادة ـ حفظها الله ـ من خلال ما قامت به من إصدار مجموعة من السياسات والأدوات والمخصصات المالية الكبيرة للتعامل مع مشكلة السكن، وما الرهن العقاري إلا خطوة إضافية في طريق الحل الشامل لمشكلة الإسكان في المملكة.
مشكلة الإسكان في المملكة ليست فقط انعدام أو صعوبة توفر التمويل العقاري للمواطن، وإنما مشكلة متعددة الجوانب، مما يتطلب لحلها التعامل مع جميع جوانب المشكلة وبخطة شاملة ومتوازنة، وليس التعامل مع جزئية واحدة من المشكلة، وهو الأخطر على المدى الطويل. مشكلة العقار في المملكة تتلخص فيما يلي:
1. ارتفاع أسعار الأراضي الخام داخل النطاق العمراني للمدن الرئيسية بمعدلات عالية تعدت أكثر من (500%) من أسعارها قبل عشر سنوات (وهو تقدير متحفظ)، وهو ارتفاع غير مبرر لا من حيث ارتفاع الطلب بشكل متواز أو ارتفاع معدلات التضخم بشكل عال أو حتى الادعاء بقلة كميات الأراضي المتاحة للبيع.
2. المضاربة على الأراضي الخام، وخصوصا خارج النطاق العمراني وغير المغطاة بالخدمات الأساسية ولا يتوقع توفيرها بالأمد المنظور، مما يزيد من أسعار الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني من ناحية، ويزيد الضغط على الجهات الحكومية المعنية بالتخطيط العمراني والحضري وبتوفير البنية التحتية بالتوجه نحو التمدد في المخطط الحضري بشكل أفقي، وهو مكلف جدا وغير عملي ولا يتمشى مع المعايير العالمية في تخطيط المدن. كما أن انتشار المكاتب العقارية والتي يصل عددها الآلاف ويمكن بعشرات الآلاف يزيد من مشكلة العقار ويحولها إلى مصدر استثمار ومضاربة، مثله مثل الأسهم، للأسف، على عكس ما يحصل في الدول المتقدمة والتي لا ترى فيها مكاتب عقارية تضارب على الأراضي الخام داخل وخارج النطاق العمراني، وإنما شركات تطوير عقارية، وهو ما نحتاجه في المملكة.
3. عدم تطبيق وفرض الزكاة على الأراضي الخام، وخصوصا تلك غير المعدة للسكن الشخصي، وهو إجراء يفترض قيام مصلحة الزكاة والدخل بتنفيذه بالتعاون مع الجهات الحكومية ذات العلاقة. فعلى سبيل المثال، تقدر الأراضي البيضاء الخام – غير المطورة – في المدن الرئيسية مثل مدينة الرياض بمئات الملايين من الأمتار المربعة، أو ما نسبته أكثر من ثلث المدينة، وهي أراض يملكها أشخاص محدودون وليس عدد كبير من الناس، مما يعني أن شخصا واحدا قد يملك عشرات أومئات الملايين من الأمتار المربعة، فهل في نية هذا الشخص السكن في هذه الأراضي أو المتاجرة بها؟ إذا، لا يقبل العقل ولا المنطق عدم فرض زكاة على هذا النوع من الأراضي بحجة عدم معرفة نية المالك السكن أو المتاجرة!
4. عدم فرض رسوم على الأراضي غير المطورة أو حتى مصادرتها من ملاكها إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك – وخصوصا داخل النطاق العمراني - بعد مضي فترة زمنية معينة على تملكها سواء على أساس منحة أو تأجير من الدولة أو من خلال الشراء المباشر من أفراد. في الدول المتقدمة، يتم فرض رسوم على الأراضي غير المطورة، وبعد مدة معينة تسحب الأرض من المالك وتمنح لجهة أخرى قادرة على التطوير.
5. في ظل استمرار عدم فرض الزكاة والرسوم على الأراضي البيضاء، ما زلنا نعاني من التمدد الأفقي، ولا يوجد أي حافز لملاك هذه الأراضي على تطوير هذه الأراضي، وهذه ظاهرة تكلف الدولة والمال العام لسنوات وعقود قادمة أضعاف أضعاف قيمة هذه الأراضي الحالية!
نظام الرهن العقاري خطوة أولى، ولكننا ما زلنا بحاجة إلى إعادة النظر في الجوانب الأخرى وأهمها فرض الزكاة على الأراضي داخل النطاق العمراني، وفرض رسوم أو حتى مصادرة الأراضي غير المطورة بعد مدة معينة. فحتى نعالج مشكلة الطلب على العقار، فيجب علينا معالجة مشكلة العرض، فأي خلل في أي جانب سوف يزيد ويعقد من حجم المشكلة ويؤجل حلها ويزيد أيضا في تكلفة الحل.
كما أننا يجب أن نتعلم من تجربة تطبيق نشاط الوساطة المالية، والذي سيطرت عليه البنوك بشكل واضح، وكذلك تجربة الترخيص لشركات التأمين وذلك قبل التطبيق الفعلي لنظام الرهن العقاري، فهل سوف يسمح للبنوك بإنشاء شركات تمويل عقارية كما حدث مع شركات الوساطة المالية؟ وكيف نضمن عدم رهن العقار لأكثر من جهة؟ وكيف نضمن تخفيض تكلفة السكن وكذلك تكلفة الإقراض وخصوصا في ظل انخفاض مخاطرة شركات التمويل بدخول الدولة كضامن للقرض؟ هذه الأسئلة وأسئلة أخرى تحتاج إلى دراسة عميقة، والأهم وجود رقابة ومحاسبة صارمة، فالهدف خدمة المواطن أولا وأخيرا.