ظل العميل السري جيمس بوند رمزا للسينما الإنجليزية، أيقونة. والإنجليز قوم يعشقون تراثهم بشكل مرضي.. قصص الجاسوسية والبوليسية تلهب خيالهم.. وفي الأدب شخصيتهم الأشهر شارلوك هولمز، المحقق في جهاز سكوتلنديارد.. بين فترة وأخرى ينعشونها بعمل حتى تظل حية في ذاكرة الشعوب، وطبعا ذاكرتهم التي لا تنسى.

يعيد جيمس بوند لجهاز الاستخبارات البريطاني شيئا من تاريخه الأسود الذي صال وجال به العالم. وفي المنطقة العربية لعبت شخصيات مثل الكابتن لورانس والخاتون الحديدية جيرترود بل والليدي بلنت أدوارا خطيرة نلمس آثارها سياسيا حتى اليوم.. أشهر وأكثر من لعب دور بوند هو شون كونري، لكن روجر مور هو الذي منحه الزخم العالمي. مور على نقيض كونري كان أخف دما وأكثر وسامة، ومعه بدأت فكرة كازانوفا الاستخباراتي.

ظل الإنجليز عنصريين في مسألة البطل، بمعنى أن من يريد لعب دور بوند يجب أن يكون بريطانيا، وهكذا بعد مور جاء تيموثي دالتون الذي كان أقل بمسافات زمنية من وهج البطل الأسطوري، لكن بيرس بروسنان استفاد من خطأ سابقه وأعاد صقل الشخصية، مستفيدا من دور لعبه في مسلسل تلفزيوني شهير في الثمانينات بعنوان "ريمنجتون ستيل" مع ممثلة لم تنل شهرة هي ستيفاني زيمباليست. والغريب أن جهاز الاستخبارات البريطاني كانت ترأسه في فترة عرض المسلسل امرأة اسمها "ستيلا ريمنجتون". كان بيرس بروسنان نجما أنيقا وكوميديا، ونقل العمل نقلة لافتة خلال التسعينات، بعده استلم المهمة "دانييل كريج" بملامح أوروبية صرفة.. شعر أشقر وعينين زرقاوين. أدخل كريج إلى الشخصية بنيته الجسدية وعضلاته المفتولة وقليلا من الركض والمعارك اليدوية، لكنه ظل يعاني نمطية في الأداء والتعابير. واليوم تشيخ الشخصية بعد نصف قرن من ابتكارها على يد إيان فليمنج الذي كان ذاته عنصرا استخباراتيا خدم في سلك البحرية لكنه تفرغ لاحقا للكتابة بعد خلق شخصية بوند، مستوحيا إياها من مهامه السرية. ربما لم تعد الشخصية مبهرة لكنها فتحت الباب واسعا لسينما الجاسوسية والتي استغلت جيدا خلال الحرب الباردة.