حزن جارف يغمرني لوفاة الأستاذ والصديق الحبيب الدكتور محمد العيد الخطراوي. أحسستُ بالفقد واليتم، وأخذتُ أستعيد صوته، وضحكه، وحزنه، وفرحه، وطرائفه التي هو أستاذ كبير فيها. أتذكر اتصالاته الهاتفية شبه الأسبوعية بي.. تخريجاته اللغوية.. استدعاءه للشواهد.. معرفته الواسعة بالنحو والتاريخ.. سرعة بديهته.. طريقته في الكلام.. سخطه على بعض الناس.. قهقهته المجلجلة.. شتمه لجمهور لم يصفق لقصيدة سمعها.
كنت أحس ألمه، فزعه من المرض ومن الموت، شعوره بأنه لم يُقدر حق قدره، لم يُكرم كما يليق به، وكنتُ أعجب كيف يقصر مجتمعنا في حق عالم كبير، وشاعر كبير، وباحث كبير؟ ألأنه يسكن بعيدا عن العاصمة متواريا عن الأنظار؟
أم لأنه لا يُحسن المجاملة والارتماء في الأحضان؟
لقد خدم تراث المدينة المنورة كما لم يفعل سواه. وعرفنا - من تحقيقاته - إبراهيم الأسكوبي ومحمد أمين الزُللي والنحاس، وقرأنا في كتبه تاريخ الأدب والثقافة في المدينة المنورة، منذ فجر تاريخها، أحب علماء طيبة وشعراءها ومعلميها، فقرأنا له تاريخا لـ"مدرسة العلوم الشرعية"، ولشعراء "الوادي المبارك"، ولم يمنعه المرض أن يجمع آثار محمد عالم الأفغاني ومحمد سعيد دفتردار، وأخذ بأيدينا - في مدة مبكرة - إلى "وادي عبقر" فاكتشفنا إبداع شعراء الوطن.
أما الشعر فكان شاعرا مجددا، عرف الشكلين الشعريين القديم والحديث، وخاض غمار المسرحية الشعرية، وفي معظم شعره حُزن مستكن، وإباء نفس، وفي العقد الأخير من حياته أذعن لسلطان الموت على حياته وعلى شعره، وبات شعره مسكونا بـ"أسئلة الرحيل".