انشغل الرأي العام الفرنسي هذا الأسبوع بصدمة مواطن قروي شنق نفسه انتحاراً بعد شعوره بعقدة ذنب هائلة حين دهس طفل جاره المباشر بسيارته أمام المنزل. أفاق المواطن الفرنسي من ذهول الحادثة ووجد نفسه يعانق جاره وقد انخرطا في نوبة بكاء جوار حطام الطفل الميت ثم دخل مرتكب الحادثة بيته وودع أطفاله وغادر لحديقة مهجورة وهناك اكتشفوه وقد علقت جثته بغصن شجرة طويلة. ومثلما تنبئ القصة عن شروع في الانتحار الذي تحرمه سائر الأديان السماوية، مثلما تسقط ذلك الحس الإنساني المرهف، لأن الرجل بالفعل لم يعد لديه الإصرار على الاستمتاع ببقية الحياة على حساب الألم القاسي من شعور أسرة جاره المباشر بفقدان فلذة كبد. وقد يكون من الاستفزاز أن نسرد القصة كشاهد على ملامح الغرب الإنساني. وللذين يقفون في الاتجاه المعاكس دعوني أقل: ما هي ملامحنا الإنسانية رغم آلاف الخطب والمحاضرات، ورغم كل هذا الحشد الهائل من أدبيات الإرشاد والوعظ، ورغم الكتاب المنهجي الضخم الذي يحض على كل شيء من حقوق الشجرة حتى حقوق الإنسان في آدميته وكرامته؟ هل شعر الآلاف من مروجي الخمور والمخدرات بعقدة ذنب وهم يقتلون بسمومهم مستقبل الأجيال والملايين؟ هل استيقظ الحس الإنساني في ستة آلاف مخالفة مرورية مسجلة (عدا اللامكتوب) في اليوم الواحد في مدينة واحدة مثل جدة مثلما يقول رأس قلمها المروري صباح الأمس؟ هل شعر ثلاثون سائقاً يقتلون ثلاثين ضحية في اليوم الواحد بعقدة الذنب؟ وهل استيقظ فيهم أدنى معايير الحس الإنساني؟ ومرة أخرى، أين ذهبنا بآداب هذا الدين العظيم؟ ولماذا لم ينجح نصف مليون محاضرة توعوية في العام الواحد في ترقيق هذه الغلظة المخيفة التي لا تحترم حقوق فرد في الطريق أو الجوار أو الشارع أو العمل؟ هنا فرنسي ربما لم يتعرض طيلة الحياة لدرس أخلاقي وعظي ولكنه كان وحده درساً هائلاً ستقرؤه السطحية على أنه مجرد حالة انتحار مذمومة محرمة، ولكن العمق ينبئ عن إحساس عميق بعقدة الذنب. ترى لو أن كل فرد بيننا رسم جبهته بالسواد حين يكتشف أنه وقع في الخطأ والمحظور: كم جبهة سوداء ستكون بيننا نهاية هذا المساء؟