وأنا على متن قطار الرياض أتأمل المباني والركاب، لفت انتباهي صوت فتاة تتذمر ثم بدأت أدمعها تتساقط من مقلتيها واحدة تلو الأخرى، والدتها كانت بجانبها منفعلة بشدة، حاولت تهدئتها شيئًا فشيئًا رغم انفعالها، مرددة بصوت بات واضحًا للعامة، جيل اليوم لا يحتمل شيئًا ويريد تلبية كل احتياجاته.

وأنا أتأمل الموقف حلق في عقلي تساؤل، ماذا فعلت أو ماذا طلبت يا تُرى؟ وهل يستحق كل هذه الأدمع والانفعال وفي مكان عام كالمترو؟

وصلت إلى وجهتي المرجوة، فهممت بالخروج، أكملت طريقي، لكن الموقف ظل عالقا في ذهني.


وفي يوم آخر، اجتمعنا حول طاولة مستديرة، فاقترحت إحدى الحاضرات أن نلعب لعبة أشبه باللعبة الشائعة بمسمى «الصراحة». ورغم أن مثل هذه الألعاب تكشف بعض الخبايا، إلا أن الكثيرين يفضلون الهروب منها. قالت إحداهن: «أنا لا تعجبني تلك اللعبة لأنها تفضح المستور». أصررنا عليها وبدأنا باللعب، وما حدث كان مفاجأة؛ تفرقع كل من كان حول الطاولة المستديرة ككرات البلياردو، واحدة تلو الأخرى.

هذا دفعني إلى تساؤل آخر: لماذا أصبحنا بهذه الحساسية وعدم القدرة على التقبل إلى هذه الدرجة، حتى وإن كان ثقل اللعبة قويًا بعض الشيء؟

في الآونة الأخيرة، أصبح الناس لا يحتملون أبسط الكلمات، المشكلات، المواقف، أو العقبات، ولا يستطيعون مواجهتها.

الأغلب منا يعرف ما يسمى بهشاشة العظام، لكن اليوم هناك ما يسمى بـ«الهشاشة النفسية»، وهو مفهوم قد يجهله البعض. تعني حالة الضعف والانكسار العاطفي عند مواجهة تحديات وصعوبات الحياة.

حادثة عادية، ظرف عائلي، موقف عابر، أو حتى جرح بسيط، تُستقبل بالتضخيم والتهويل كأنها كارثة عالمية. وقد تتحول وقعة هذه الأمور لدى البعض إلى معضلات صحية يصعب التعامل معها.

تُعد الهشاشة النفسية إشكالية معاصرة انتقلت إلى مجتمعاتنا العربية، كما هي منتشرة عند الغرب. ومن أبرز أسبابها المؤثرات المتنوعة التي تقدمها المواد الإعلامية، إضافة إلى الانتشار السريع لوسائل التواصل الاجتماعي وما تحمله من أفكار تعظيم الذات والأنانية.

تتجلى أعراض الهشاشة النفسية في عدة مظاهر، مثل القلق والتوتر والانفعال المفرط، كالبكاء بسهولة. يشعر الفرد في هذه الحالة بأنه أقل من الآخرين وغير قادر على القيام بواجباته المختلفة، ويصبح بحاجة دائمة إلى دعم شخص آخر يتعلق به ويستمد منه الطاقة.

الحياة ليست سهلة، وتحتاج منا إلى بذل الجهد في جميع الأمور. قد لا يدرك الأشخاص الذين يمرون بحالة الهشاشة النفسية أن الحياة اختبار؛ فلا سعادة كاملة فيها، ولا راحة مستدامة، ولا تأتي على طبق من ذهب.