بدأت تأمل الواقع بنظرة شمولية، تقبل الواقع الجميل وتشمئز من تحولات فردية غير مؤلوفة وغير مقبولة تصريحا وليس تلميحا، ونحن نتلمس المتغيرات الكبيرة نجد أن بينها سهولة التواصل والتقارب بين أقطار العالم، ولكن هذه السهولة دعت البعض إلى التخلي عن عقله ودوره ومكانته أيا كانت. فعندما نشاهد على شاشات الهاتف "النساء الكبيرات في السن" على وسائل التواصل بمحتوى غير لائق هنا يتأكد أننا أمام عاصفة قوية تعصف بالمشهد الاجتماعي. لكن هذه المرة ليس بسبب كوارث طبيعية أو أحداث سياسية، بل بسبب ظاهرة تزداد قوتها يوماً بعد يوم، وهو ظهور النساء الكبيرات في السن، بلغن سن القواعد، في بعض الحالات على منصات التواصل الاجتماعي بمحتوى لا يليق بمقامهن، في زلزال من التصرفات التي تتجاوز كل الحدود. قد يمتعض البعض من تخصيص النساء بينما هناك من الرجال من بلغ من العمر عتيا في خط مواز بالتخلي عن وقار الشيب وحكمة السنين المكتسبة، ولكن التخصيص جاء من حيث الأهمية والتأثير والتأثر، فعندما نجد أن هذه النماذج من النساء قررن أن يقتحمن عالم "التطبيقات" بكامل فاعليتهن، ليقدمن محتوى قد يترك القلوب عاجزة عن فهم المعادلة الغريبة التي يجسدها.

فبينما كان يمكن أن يُنظَر إليهن كقدوة للأجيال الشابة في مجال الحكمة والتميّز الاجتماعي، نجد أنهن اخترن أن يكون حضورهن في مواقع التواصل الاجتماعي أشبه بمشهد هزلي في فِلم لا يمت للواقع بصلة.

والأغرب تعمدهن التصوير في المناصات العامة وهن يجتمعن في فعالية أو مناسبة ما أمام المسرح للتصفيق والتمايل وتوثيق ذلك بكاميرات الجوال بكل ثقة نزعا للحياء والخجل.


هؤلاء النسوة اللواتي كن في يوم من الأيام رموزاً للثقة والاحترام، قررن أن يضعن أنفسهن في موقف أقرب إلى "التهريج" والتقليد الأعمى للمحتويات التي تُعرض على منصات التواصل، وكأنهن في سبيل البحث عن الشهرة أو الشهرة الزائفة، نسين أن هناك حدوداً يجب أن تحترم بين ما هو مقبول اجتماعيًا وما هو مخجل بالفعل.

المثير للسخرية أن بعضهن يتنقلن بين رقصات لا تتماشى مع أعمارهن أو تحديات لا تليق بمستوى تجاربهن الحياتية، وكأن الحياة كلها تتمحور حول "الفلتر" و"الترند" وليس حول القيم الإنسانية أو القدوة التي من المفترض أن يجسدها الجيل الأكبر.

ومن هنا، تصبح هذه العاصفة بين الواجب والمخجل، حيث يعصف النقد الاجتماعي بعنف ليس بسبب ما يقدمنه من إبداع أو محتوى هادف، بل بسبب ما يتخطين به من حدود فنية وأخلاقية.

نعود للسؤال الأكثر سخونة في هذا السياق: هل حقًا أصبح لزامًا على الجميع أن يكونوا جزءًا من هذا العالم الافتراضي الزائل لمجرد جذب الانتباه؟ أم أن هناك مسافة من "الكبرياء" كان من الأفضل أن تحترم وتُستثمر في بناء صورة أرقى؟ هذه العاصفة تستمر في الهبوب، والحقيقة التي يتجاهلها البعض هي أن المظاهر ليست دائمًا ما تعكس عمق الشخص أو تاريخه، بل أحيانًا تكون العاصفة هي آخر ما يمكن أن يفكر فيه أحدهم قبل أن يتراجع خطوة للوراء وينظر إلى ما خلفه.