ديننا الحنيف يحثنا في أوقات الأزمات على أن نشعر بآلام البشر عند المعاناة، بغض النظر عن الحدود الجغرافية، رغم كل الإشاعات التي ظهرت تتهمنا بأننا كمسلمين نكره ونشمت عند المصائب. وإن صدر تعليق سلبي من البعض تجاه الحرائق في ولاية لوس أنجلوس الأمريكية، يكون صادرًا من حرقة القلب لبشاعة المناظر التي كانت تخرج إلينا من غزة بسبب القصف والإبادة، مقابل أعاصير التعليقات التي كانت تطالب بالدمار الشامل والقتل والإبادة، وتسخر وتقلل من شأن المأساة، وتعتبر أن ما يحدث لهم هو نتيجة أنهم ليسوا بشرًا أو همجًا يستحقون الموت. وهذه التعليقات السلبية كانت موجهة لهم فقط وليس لبقية المتضررين، ولكن بالمقابل هنالك أيضًا من كان تعليقه ليس سوى للفت الانتباه لما يعانيه جزء من جسدنا العربي في غزة.

بينما تكافح لوس أنجلوس أكثر الحرائق تدميرًا في تاريخها، والتي يغذيها موسم الجفاف العنيف والرياح القوية للأعاصير، ومشكلة المياه في المضخات، أصبح الوضع رهيبًا على نحو متزايد؛ يخلي السكان منازلهم وسط تهديدات مزدوجة تتمثل في زحف النيران وتدهور جودة الهواء، وفي هذه البيئة من عدم اليقين، يكثف المسؤولون تحذيراتهم ضد اللصوص الذين يستهدفون المنازل الفارغة، ما يسلط الضوء على تعقيدات إدارة الكوارث في الأزمات.

على غرار حريق شيكاغو الكبير عام 1871، الذي بدأ قرب حظيرة صغيرة مملوكة لعائلة «أوليري» الإيرلندية الأصل، لم تشعل الحرائق الحالية في لوس أنجلوس دمارًا ماديًا فحسب، بل أشعلت وابلًا من المعلومات الخاطئة ونظريات المؤامرة! وبينما أخطأ الفولكلور في كثير من الأحيان في نسب حريق شيكاجو إلى بقرة السيدة «أوليري» حيث اعترف محرر الخبر فيما بعد بأنه أراد إضافة إثارة فاخترع القصة (في ذاك الزمن كانت الأجواء مشحونةً بالعداء نحو أصحاب العرق الإيرلندي)، فإن الروايات الحالية المحيطة بحرائق لوس أنجلوس تتراوح من المعقول إلى السخيف، ما يعكس انزعاج البشرية من الغموض. ففي أوقات الأزمات غالبًا ما يبحث العقل عن تفسيرات بسيطة تتماشى مع المعتقدات الموجودة، ما يؤدي إلى انتشار الشائعات التي يمكن أن تحجب الحقيقة.


انتشر حريق شيكاجو بسرعة بسبب مجموعة من العوامل البيئية، بما في ذلك الجفاف الطويل والرياح القوية، تمامًا مثل الظروف التي تواجه لوس أنجلوس اليوم، وفي شيكاجو، واجه قسم الإطفاء تحديات هائلة بموارد محدودة، وتفاقمت بسبب الخطأ البشري والإرهاق، واليوم، بينما تواجه لوس أنجلوس أزمتها الخاصة، فإن لعبة توجيه أصابع الاتهام وإلقاء اللوم تذكرنا بالماضي، وتكشف كيف يمكن للاستقطاب السياسي والمعلومات المضللة أن تحجب فهمنا للكوارث الطبيعية.

في هذه اللحظة، نحن كبشر ومؤمنين متدينين نتعاطف ليس فقط مع الدمار والموت الذي يتكشف لنا يوميًا في غزة، ولكن أيضًا مع الدمار في لوس أنجلوس بل في أي بقعة على الأرض، وسجل المساعدات الإقليمية والعالمية التي تقدمها المملكة ومن تبرعات المواطنين يشهد على ذلك، بالنسبة لنا، هذه ليست مجرد أحداث بعيدة؛ إنها مآسٍ تؤثر في بني البشر - مخلوقات الله القدير. إن المعاناة التي يعيشها الأفراد والأسر في كلتا المنطقتين يتردد صداها بعمق في داخلنا، ما يذكرنا بإنسانيتنا المشتركة والمسؤولية الجماعية التي نتحملها لرعاية بعضنا البعض.

وبينما تستعر النيران والدخان يملأ السماء، لاحظت أيضًا شيئًا رائعًا ينشأ من هذه المأساة: مرونة وتضامن المجتمعات في لوس أنجلوس وفي جميع أنحاء الولايات المتحدة، التقارير والصور عن أفراد المجتمع الذين اجتمعوا لتوفير الغذاء والملبس والمأوى للمتضررين، لهو بمثابة تذكير مؤثر بقدرة الإنسانية على التعاطف، كما أن المتطوعين والشخصيات المؤثرة وتجمع المنظمات الخيرية المحلية التي أتت من ولايات أخرى يدل على أنه في مواجهة الكارثة، تتحد القلوب وتظهر الإنسانية في أروع صورها، كما رأيناها مرارًا من قبل؛ التبرعات والتعاطف والتطوع من قبل المواطنين في المملكة وفي عدة دول مؤخرًا.

في المملكة اليوم، لا نواجه حاليًا أزمة بالمعنى التقليدي، ولكننا غارقون في قصف من المعلومات المضللة التي تهدف إلى زرع الفتنة وتعزيز الانقسامات، حيث تعمل وسائل التواصل الاجتماعي كسلاح ذي حدين - فبينما يمكنها ربطنا وتضخيم أصوات التعاطف، يمكنها أيضًا نشر الروايات الضارة التي تمزق المجتمعات، وقد تجلى هذا بشكل خاص خلال التغييرات الإقليمية مؤخرًا، حيث يمكن للادعاءات المضللة أن تؤدي إلى تصعيد النزاعات وتقويض التضامن، إضافة إلى زرع الفتن.

دعونا لا نعرب عن تعازينا لضحايا حرائق لوس أنجلوس فحسب، بل أن ندعم أيضًا الجهود الإنسانية التي تهدف إلى مساعدة المتضررين بعدم المساهمة في نشر المعلومات المضللة أو نظريات المؤامرة؛ ومن خلال ذلك، يمكننا تعزيز ثقافة التفاهم والرحمة التي تتجاوز الحدود، كما أنه من الأهمية بمكان تضخيم قصص مواقف الجالية الإسلامية هناك التي غالبًا ما تمر دون أن يلاحظها أحد، وسط ضجيج وسائل التواصل الاجتماعي المثقل بالتفاهات أو بالحروب الكلامية التي يتم إشعالها من قبل جهات عدائية للإلهاء وإشغال العقول وتحويل البوصلة إلى استعدائهم للإسلام.

واليوم وبينما نراقب هذه الأحداث من بعيد، ونحن نشهد كميات الشائعات والمعلومات المضللة والأثر السلبي الذي تخلقه في تقويض الجهود في مواجهة الأزمة عندهم، نستخلص أهمية الالتزام الجماعي بالحقائق وضرورة التضامن؛ فمن خلال العمل معًا لمكافحة المعلومات المضللة، يمكننا بناء مجتمع أكثر استنارة - مجتمع يقف متحدًا في مواجهة أي هجوم معلوماتي مضلل.