الاهتمام بالمناسبات الدينية أمر بالغ الأهمية، لأنها تحمل في طياتها دروسًا عظيمة للأمة. ومناسبة " ذكرى الإسراء والمعراج" تأتي في هذا السياق، وفي الوقت نفسه هي فرصة عظيمة للتأمل والاستفادة.

حادثة الإسراء والمعراج، ذكرى عظيمة تستدعي منا التوقف والتدبر، ولعلَّ من أول ما يجب أن نُسلم به هو أنها ليست مجرد حدث تاريخي عابر، بل معجزة من معجزات الله، التي تؤكد قدرته- عز وجل- المطلقة على أن يتمم لعبده ما يشاء من غير حاجة إلى وسيلة مادية. فالله الذي خلق الكون قادر على أن يسري بعبده من مكة إلى القدس، وأن يعرج به من الأرض إلى السماء دون أن يحتاج إلى شيء سوى إرادته وحده، سبحانه وتعالى.

عن توقيت الحادثة، أؤكد اختلاف العلماء في تحديده، وأنه لم يرد في القرآن أو السنة نص صريح يثبت متى وقعت بالتحديد؛ وهذا لا يعني عدم القول إن التعيين بالسابع والعشرين من رجب، حكاه كثير من الأئمة، واختاره جماعة من المحققين، كالإمام الزرقاني في (شرح المواهب اللدنية بالمنح المحمدية)، واختاره الحافظ عبدالغني المقدسي، ونسبه لجد أبيه، الإمام عبدالله الحنبلي، صاحب كتاب (عمدة الفقه)، أوحد زمانه في الحديث، وهو الذي جرى عليه عمل الناس، رغم ذهاب بعضهم إلى أنها وقعت في رمضان، مستدلين بارتباطها بالوحي المكثف فيه، ومال البعض إلى أنها كانت في شوال أو ربيع الأول، أو الآخر. وتظل هذه الآراء اجتهادات تاريخية لا تؤثر في جوهر الحدث وأهميته، الذي يجب أن يُنظر إليه من زاوية دروسه العميقة ونفحاته الإيمانية.


مسألة رؤية الله تعالى، هي الأخرى، محور مهم من محاور النقاش العقدي بين العلماء؛ فبعضهم، وعلى رأسهم عبدالله بن العباس، رضي الله عنهما، يرى أن النبي، صلى الله عليه وسلم، رأى الله تعالى في المعراج، مستدلين بقوله تعالى: «وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى». في حين أن عائشة، رضي الله عنها، تميل إلى غير ذلك استنادًا إلى الآية: «لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ». ورغم هذا الاختلاف في التفسير، ظل الخلاف بينهم في إطار الاحترام المتبادل. ومن المتعلقات بالقصة المباركة «البراق»، الذي ركب عليه النبي، صلى الله عليه وسلم، في رحلته، ومعلوم أن التفاصيل المتعلقة بوصفه تظل غيبية، والاكتفاء بما ورد عنه في الأحاديث الصحيحة مطلوب، دون الخوض في التفاصيل؛ بخاصة وأن الخوض في أوصاف لم تُكلفنا الشريعة بتفاصيلها أمر غير مطلوب أبدا، ويكفي الإيمان بالحادثة كما هي دون الولوج في أمور غيبية قد تفتح أبواب التأويلات غير المدعومة.

المعراج للسماء، مرتبط بالإسراء للمسجد الأقصى، ومن المهم هنا التأكيد على أن الحديث عن وقوعه مرتين في مكة ثم في المدينة لا يوافق الحقائق الثابتة في الأحاديث، إذ كل الأدلة تشير إلى أن الإسراء والمعراج كان حدثًا واحدًا، وقع في مكة المكرمة، كما أن السور التي تناولت الحادثة، مثل سورة الإسراء وسورة النجم، ذكرتا ذلك بشكل قاطع. وختاما تعتبر حادثة الإسراء والمعراج من أظهر معجزات النبي، صلى الله عليه وسلم، التي لا يجوز الطعن فيها أو التشكيك في صحتها، وورودها في القرآن الكريم بشكل صريح، يجعل إنكارها خطأ دينيًا فادحًا، والإيمان بها يظل جزءًا أساسيًا من عقيدة المسلم، ويُعدُّ تأكيدًا على الإيمان بالغيب وقدرة الله المطلقة.. صلوات ربي وسلامه عليك يا سيدنا يا صاحب الذكرى.