آل فرنجية، رمز تيار المردة ورمزية الصمود الماروني، ينتمي بيت فرنجية إلى زغرتا في شمال لبنان، ويعد من أعرق العائلات السياسية المارونية. بدأ دورهم السياسي بالظهور بشكل بارز مع سليمان فرنجية الجد، الذي شغل منصب رئيس الجمهورية بين عامي 1970 و1976. كان سليمان فرنجية رجلًا سياسيًا محنكًا، عرف بعلاقاته القوية ورؤيته المارونية التقليدية التي ركزت على سيادة لبنان. خلال فترة رئاسته، واجه تحديات الحرب الأهلية اللبنانية (1975)، وحاول إبقاء لبنان متماسكًا وسط انقساماته الداخلية. أسس آل فرنجية لاحقًا تيار المردة، الذي حمل راية القومية المارونية، مما عزز نفوذهم في الشمال اللبناني وحوّلهم إلى قوة سياسية ذات تأثير.
ورث سليمان فرنجية الابن قيادة تيار المردة، إلا أن نفوذه انحصر بشكل كبير في زغرتا ولم يتمكن من استعادة الهيمنة الوطنية التي تمتع بها جده. رغم محاولاته لعب دور إقليمي وتحقيق التوازن بين حلفائه في الداخل والخارج، فإن غياب رؤية سياسية واضحة وتكرار التحالفات الضيقة أفقداه جزءًا كبيرًا من شعبيته. أصبح لعبة ومراسل لنظام الأسد، وخرب كثير من علاقات جده العريقة مع الدول العربية بتصرفاته وتصريحاته الصبيانية!
آل الحريري، رمز إعادة الإعمار ورمز الاعتدال السنّي، برز رفيق الحريري كواحد من أبرز الشخصيات السياسية في لبنان الحديث. بدأ مسيرته كشخصية اقتصادية بارزة قبل أن يتولى رئاسة الوزراء في التسعينيات بعد انتهاء الحرب الأهلية، وأطلق الحريري مشروع إعادة إعمار بيروت عبر شركة «سوليدير»، مما جعل العاصمة اللبنانية وجهة اقتصادية وسياحية عالمية، وكما لعب دورًا بارزًا في تعزيز الاستقرار الداخلي، مستفيدًا من شبكة علاقاته الدولية، خاصة مع فرنسا والمملكة العربية السعودية. كذلك أسهم في بناء جسور التواصل بين الأطراف اللبنانية المتصارعة ونجح في تعزيز صورة لبنان على الساحة الدولية.
ورث سعد الحريري قيادة تيار المستقبل بعد اغتيال والده في عام 2005، وسط آمال كبيرة في أن يستكمل مسيرة والده. لكن مسيرته السياسية تميزت بالتردد والقرارات غير الحاسمة. عجز عن تقديم مشروع اقتصادي أو سياسي واضح في ظل الأزمات المتلاحقة، وانسحب من الساحة السياسية عدة مرات، مما أضعف تيار المستقبل وأدى إلى تراجع تأثيره في الطائفة السنية. افتقر إلى الكاريزما والحنكة التي ميزت والده، مما أفقده القدرة على كسب ثقة شعبية واسعة.
آل كرامي، رمز الوطنية والقومية العربية، يعود تاريخ بيت كرامي إلى مدينة طرابلس في شمال لبنان، حيث برزوا كعائلة سياسية سنية عريقة. بدأ دورهم مع عبد الحميد كرامي، أحد قادة الاستقلال، الذي شغل منصب رئيس الوزراء وكان من أشد المدافعين عن القومية العربية ووحدة لبنان واستمر هذا الإرث مع رشيد كرامي، الذي شغل رئاسة الوزراء ثماني مرات بين 1955 و1987. عُرف رشيد بحنكته السياسية ومواقفه الوطنية المميزة التي جمعت بين الحفاظ على وحدة لبنان والانتماء إلى القومية العربية. كان داعمًا للقضية الفلسطينية ورافضًا للانقسامات الطائفية التي أنهكت لبنان.
فيصل كرامي، الذي ورث زعامة آل كرامي، فشل في تحقيق الحضور الوطني الذي ميز أجداده وشخصية ضعيفة لا تملك روية سياسية عميقة او بناء علاقات إستراتيجية مع الدول العربية، كان مداهن لنظام الأسد إلى درجة مؤسفة ولم يملك شي من حكمة ودهاء بيت كرامي. اقتصرت شعبيته الضعيفة على طرابلس وبعض المناطق الشمالية، ولم يتمكن من تقديم مشروع سياسي جامع. افتقاره للخبرة السياسية والرؤية المستقبلية جعلاه شخصية هامشية في المشهد اللبناني. وضعف أدائه في مواجهة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية في طرابلس أفقده دعم جزء كبير من جمهوره.
الأبناء لم يعملوا على تطوير الإرث السياسي للعائلات، بل اكتفوا بالاعتماد عليه دون تقديم رؤية جديدة. كما افتقروا للكاريزما والحنكة التي تميز بها آباؤهم، مما أفقدهم القدرة على كسب ثقة الشعب. تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية في لبنان وضع قيودًا على أي جهود للإصلاح أو النجاح السياسي، بينما بات الشعب اللبناني أكثر انتقادًا للزعامات التقليدية وميالًا إلى البحث عن بدائل جديدة.
لطالما كانت لنا علاقات وصداقات مع مختلف أطياف الشعب اللبناني، إلى درجة أننا لم نكن ننظر إلى خلفياتهم أو طوائفهم وربما يمكن استنتاج الطائفة من الاسم، لكننا لم نكن نفرّق أو نعامل أحدًا بناءً على طائفته. كان بين أصدقائنا من لهم أقارب ينتمون إلى طوائف مختلفة، كالأخ السني وأخيه المسيحي مثلا وكعادة السعوديين، كان اهتمامنا الأكبر ينصب على سلامة واستقرار لبنان وازدهاره أكثر من أي أمر آخر.
لكن بعد اغتيال رفيق الحريري، واستيلاء حزب إيران على مفاصل السلطة، فقدنا شغفنا تجاه لبنان (عافته النفس!) ولم نزرها منذ ذلك الوقت. وما يجمع عليه أغلب اللبنانيين هو أن بلدهم شهد انحداراً مروعاً وسقوطاً مدوياً منذ أن سيطر هذا الحزب على الحكم، فتحول لبنان من سويسرا الشرق إلى «زبالة الشرق»، حرفيًا وحتى لا يؤخذ الموضوع على أنه (سباب) ولكن الجميع شاهد أكوام وجبال الزبالة المتجمعة في شوارع لبنان!
أما بخصوص فشل الجيل الحالي من البيوت السياسية اللبنانية العريقة فهو واضح وضوح الشمس!
وحتى لا نتهم بالطائفية فقد تكلمنا عن بيتين من السنة وواحد مسيحي!
ختامًا، بينما نجح الآباء والأجداد في حفر أسمائهم في ذاكرة لبنان كقادة حكماء ووطنيين، عجز الأبناء عن استكمال هذا الإرث بسبب غياب الرؤية السياسية وافتقارهم للصفات القيادية اللازمة، ومستقبل العائلات السياسية في لبنان يتطلب تجديدًا فكريًا وسياسيًا، يتجاوز حدود الماضي ويواكب تطلعات الحاضر والمستقبل.