هناك قلق منتشر بين المدمنين على التقنية، نابع من استخدامها بشكل سلبي لا واعٍ. تحث التقنية ومواقع التواصل الإنسان على معرفة كل شيء. وتستثمر خوارزميات التقنية في فضول الإنسان الذي لا يهدأ. بعدها يدخل الإنسان حال الرغبة في معرفة كل شيء. تجد الكثيرين يتابعون كل المجالات العلمية والأدبية والفكرية بشكل مفرط. فيستمعون ويشاهدون كل محتوى بالإنترنت لأجل أن يهدأ فضوله. هذا القلق غير صحي ولا يفيد الإنسان بل يؤثر في صحته النفسية والعقلية.

معرفة كل شيء أمر مستحيل ومرهق للقدرة الإنسانية وفوق طاقة العقل المحدودة. إذا لم يستوعب الفرد ذلك سيدخل نمطا شديدا من القلق المستمر. ماذا تستفيد من متابعة محتوى لا تحتاجه؟ ما الذي سيتغير إذا حصلت على معلومات لن تفيدك طيلة حياتك، لن تضيف شيئًا لحياتك الشخصية والاجتماعية؟ إدراك هذا الأمر يجعل الإنسان يتوقف قليلًا ويراجع أثر المشكلة في حياته.

البعض يشعر بالنقص لأنه لا يعرف معلومة معينة ذكرها أحد أصدقائه؛ مع أنه غير ملزم بمعرفتها. ويواجه البعض سخرية شديدة عندما لا يعرفون معلومة عامة لا تخصهم. هذه الثقافة ساعدت في زيادة قلق معرفة كل شيء بين أفراد المجتمع. وأصبح الشخص يستهلك أغلب وقته في مواقع التواصل من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات في كل مجال. حتى إن بعضهم يستمع إلى بودكاست عن الفلك، وهو غير مهتم به، ولن يضيف له شيئًا في حياته الخاصة.


من أضرار هذا القلق أن الشخص يخسر تركيزه في الحياة لأنه مشتت بين المعلومات المتناثرة على الإنترنت. ويرهق عقله ذهنيًا، بسبب كثرة المعلومات التي يعالجها الدماغ في وقت قصير. بينما في الحقيقة الدماغ لديه قدرة محدودة في معالجة البيانات، لا يستطيع معالجة أكثر من ذلك. وتكون النتيجة قلقًا مستمرًا وتشتتًا دائمًا وعدم قدرة على التركيز، ما يعود على الفرد بالضرر الكبير، ويخسر الكثير من الفرص في حياته.

من ناحية أخرى، تجد المدمن على معرفة كل شيء يفقد شغفه بالحياة ويخمد فضوله. لأنه ببساطة عرف كل شيء ولم يعد يحمل فضولا يدفعه لاكتشاف الحياة بتجربته الشخصية. فقدان الشغف قد يأتي من التخمة المعلوماتية التي يحملها الدماغ، فتجعله في حالة كسل، ليست لديه رغبة خوض تجارب جديدة.

والأهم من ذلك، أن هذا القلق يعطل تطور مهارات الفرد في حياته ومجاله المهني. فلا يعود قادرًا على التركيز بمجال محدد يضع فيه كامل طاقته، ويصل لمرحلة من الإتقان والإبداع تجعله الأفضل بين أقرانه. حتى من ناحية الاهتمامات، لا يستطيع تحديد اهتمامات محددة يصرف فيها وقت فراغه، وبالتالي تفوته متعة ممارسة ما يحب.

تذكر دائمًا أن التقنية ومواقع التواصل لا تهتم لصحتك النفسية ولا لمستقبلك المهني، تريد سلب وقتك الخاص من أجل زيادة مبيعاتها فقط، وتستخدم لذلك كل الأساليب الممكنة لخطف انتباهك وتركيزك وجعلك في تشتت وقلق مستمرين. التقنية وُجدت لخدمتنا وليس العكس، لا تكن سلعة في يدها، استخدمها وقت ما تريد وعندما تحتاج إليها. اجعلها خدمة من الخدمات الموجودة في حياتك، لكن لا تجعل حياتك خادمة لمصالح التقنية ومواقع التواصل. الوعي التقني أصبح ضروريًا في حياة الإنسان، وعلينا أن نربي أبناءنا على هذا الوعي حتى لا يخسروا مواهبهم.