حضرتُ درسًا لمنهج التاريخ في صف دراسي بالمرحلة المتوسطة. كان الدرس حول غزوة الخندق، اشتمل على أسبابها وظروفها ونتائجها، إضافة إلى عرض خرائط ومقاطع فنية حول أحداث المعركة. ومع الجماليات التقنية الكثيرة في الدرس، إلا أنني لاحظتُ أنه في وجهته العامة كان درسًا تقليديًا بامتياز، لم يخرج بالمعركة عن إطارها الديني. ذهب في جُلِّه لعرض المعجزات التي تحققت للنبي، صلوات الله وسلامه عليه، وأصحابه باعتبارهم المستحقين للنصر الإلهي لخيريتهم وعدالة موقفهم. وأدى هذا إلى تفريغ الدرس من المعنى الكبير للتجربة العسكرية والسياسية.

والواقع أن تقسيم المتحاربين إلى معسكري خير وشر، إنما هو رأس الحربة فقط، وهذا نمط متكرر عبر التاريخ ، بل إن هذا في حد ذاته هو درس سياسي مبكر و عميق .

تدريس مادة التاريخ - في رأيي - يجب أن يكون واقعيًا استنباطيًا متصلًا بحياة المتعلمين، وأن ينطلق من فهمنا لمسألة تكرار التاريخ. فالتاريخ ليس مجرد سجل للأحداث الماضية، بل هو رحلة تطور ومعرفة متصلة يمكن أن توجه الحاضر وتبني المستقبل. من خلال استقراء أحداث التاريخ وتحليلها، يمكن استخلاص الدروس السياسية والعسكرية التي قد تتكرر ويُستفاد منها.


ولكن، كيف يمكننا تحويل دراسة التاريخ في مناهجنا إلى أداة تعليمية لتطوير التفكير السياسي لدى الطلاب؟

يجب أن يفهم الطلاب أولًا أن دراسة التاريخ لا تقتصر على معرفة ما حدث، بل تشمل فهم كيف ولماذا حدث، وكيف يمكننا الاستفادة من ذلك.

كما يجب فهم السياقات التاريخية، إذ لا يمكن فهم أي حدث دون وضعه في سياقه الزمني والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، ثم استيعاب تأثير هذه السياقات في النتائج والقرارات.

ومن المهم أيضًا أن يشتمل التدريس على تحليل الأنماط التاريخية، وذلك بمقارنة الأحداث المتشابهة والكشف عن أي تكرار يسهم في توقع المستقبل.

من جهة أخرى، ينبغي أن تربط هذه الدروس ماضينا بحاضرنا، ذلك أن الأحداث التاريخية ليست معزولة عن حاضرنا، بل قد تشكل أساسًا لفهم المشكلات السياسية المعاصرة. كما أن استنباط الدروس منها يساعد على تطبيق حلول مبتكرة وناجحة.

يمكن دائمًا اعتماد تصميم الدروس التاريخية بطريقة تشجع على التفكير النقدي لدى الطلاب، مع تعليمهم طرق الاستقراء للماضي واستشراف المستقبل. واستخدام التقنيات التعليمية الحديثة يساعد على إشراك الطالب في التفكير بصوت مرتفع، وفهم الحكمة من اتخاذ قرار سياسي معين في ظرف تاريخي معين.

ختامًا، التاريخ ليس مجرد ذكريات، بل هو دليل عملي للحاضر والمستقبل. وهذا ما يتوقع أن يكون العنوان الكبير لتعليم التاريخ.