الصين التي باتت اليوم وجهة عالمية للتعليم، لا تخفي فخرها بلغتها وثقافتها. فالجامعات الصينية تعتمد في تعليمها على لغة الماندرين، لغة الحضارة العريقة التي تمثل اليوم مفتاحًا لفهم أعمق لاقتصادٍ صاعدٍ وثقافةٍ عالمية. ومع ذلك، نجد أن وكالة الابتعاث السعودي تلزم الطلاب بإجادة لغةٍ ثالثة، هي الإنجليزية، رغم أن الجامعات الصينية نفسها لا تستخدمها في التعليم.
الصين ليست مجرد دولة تقدم التعليم الأكاديمي، بل هي بوابة إلى ثقافة مختلفة تمامًا، حيث تلعب اللغة دورًا محوريًا في رسم ملامح هذه التجربة. الجامعات الصينية تفتخر بلغتها الماندرين، وتعدها حجر الأساس في تعليم طلابها، سواء كانوا محليين أو دوليين. بل إن هذه الجامعات تخصص برامج مكثفة لتعليم اللغة الصينية للطلاب الأجانب لضمان اندماجهم الكامل في المجتمع الأكاديمي والثقافي. إضافة شرط اللغة الإنجليزية للابتعاث إلى دولة مثل الصين يبدو وكأنه قرار مأخوذ من تجربة لدولة ناطقة بالإنجليزية، مثل بريطانيا أو الولايات المتحدة. لكن الصين ليست هذه الدول، ولا تقدم نفسها على هذا الأساس.
الابتعاث إلى الصين يجب أن يكون بوابة للطلاب لفهم ثقافة جديدة وإتقان لغة ستكون من اللغات الأكثر أهمية في المستقبل. لكن قرار إضافة شرط IELTS يخلق حاجزًا غير مبرر أمام الطلاب الذين ربما يملكون شغفًا بالصينية وثقافتها، ولكنهم لا يتحدثون الإنجليزية بطلاقة. هذا القرار لا يضر فقط بالطلاب، بل يضعف من الأهداف الإستراتيجية للابتعاث نفسه. كيف يمكن أن نبني جيلًا من الخبراء الذين يجيدون الصينية، إذا كنا نعيق دخولهم إلى الجامعات الصينية بشرط لا علاقة له باللغة التي سيحتاجونها في دراستهم؟
ما يثير الاستغراب أكثر هو التناقض الواضح بين ما تقدمه الجامعات الصينية وما تطلبه وكالة الابتعاث. الجامعات الصينية لا تشترط الإنجليزية، بل توفر برامج تدرّس بالصينية وتدعم الطلاب الأجانب لتعلم اللغة. بينما نجد وكالة الابتعاث السعودي تصر على وضع الإنجليزية كشرط أساسي، وكأنها تنظر إلى الابتعاث إلى الصين بنفس المنظار الذي تنظر به إلى الابتعاث إلى أمريكا أو أستراليا.
بدلًا من تسهيل الطريق أمام الطلاب للاستفادة من التجربة الصينية الفريدة، نجد هذا الشرط يعيد تشكيل مفهوم الابتعاث ليصبح مجرد امتحان لغوي إضافي. هذا القرار يحد من الفرص، ويُقصي الطلاب الذين قد يكون لديهم شغف حقيقي بتعلم اللغة الصينية والانخراط في ثقافتها.
في رحلة الابتعاث إلى الصين. يجب أن يكون الهدف من الابتعاث هو تأهيل الطلاب بالمهارات والمعرفة التي يحتاجونها للنجاح في بيئة الدراسة والعمل، وليس إخضاعهم لشروط لا تخدم مسارهم الأكاديمي.
وكالة الابتعاث السعودي مدعوة لإعادة النظر في هذا القرار. فالصين لا تحتاج إلى طلاب يجيدون الإنجليزية بقدر ما تحتاج إلى طلاب يفهمون ثقافتها ويتقنون لغتها. الابتعاث ليس مجرد رحلة تعليمية، بل هو بناء جسور ثقافية، وهذه الجسور لا تُبنى بلغة وسيطة، بل بلغة الأصل التي تمثل الهوية والثقافة.
فلنعطِ الطلاب فرصة لفهم ثقافة الصين بلغتهم ونمد الجسور بين السعودية والصين، ونحثهم على تعلم لغة تفيد بلدينا بعيدًا عن القرارات التنظيرية التي لا تمت للواقع بصلة ولا منطق لها.