كلّنا مع الانتخابات في الأندية الأدبية، وعلينا أن نقرّ بما آلت إليه، لكنّ من حقّنا أن نسأل، ونعترض ونتحاور.. من حقنا أن نسأل فنجد من يجيب على أسئلتنا. من حقنا أن يُعْمَل لنا الكثير، وقد أودعنا أصواتنا إلى أناس كنّا نعتقد أنّهم سيحتفون بأصواتنا وأعمالنا ويهتمون بنا وبأنديتنا الأدبية والثقافية، لم يحالف بعضَ مَنْ منحناهم أصواتنا الحظّ، وجاء آخرون إلى تلك المجالس بأشكال مختلفة، وعلينا أن نرحّب بهم، وأن نتواضع أكثر لأفكارهم وأعمالهم!
هكذا يبدو المشهد الثقافي والأدبي في المملكة اليوم بعد انتهاء الانتخابات، وبعد أن اكتملت الرؤية في تلك الأندية بشكل كامل، لكنّ الأيام ما زالت حبلى بالمفاجآت، فلدينا كلّ يوم خبر جديد، عن احتجاج هناك واعتراض هنا، وترحيب مشوب بتحفّظ.. لدينا طعون في أسماء، وقصور في لائحة، وسخط على انتخاب.
وكالة الوزارة بدورها تحيل الخطأ بشكل كامل إلى المجالس السّابقة في الأندية الأدبية، وترمي بسهم التقصير في هذا الاختلاف إلى أن الوكالة منحت المجالس صلاحيات كاملة في هذا الشأن، وعليها تقع المسؤولية في حالة وجود تقصير في لائحة أو خطأ في استبعاد عضو أو إضافته!
المتابعون من الذين لم يحالفهم الحظّ في الانتخابات أو الذين قرروا أن يكونوا خارج هذه المنظومة مبررين هذا الخروج بأنّ دور الأندية الأدبية لم يكن ذا قيمة، فكيف به اليوم؟ يَقْسُون كثيراً في نقدهم، ويبادرون إلى استباق أعمال المجالس الجديدة بأعمال مضادة تنتقص من تجربتهم، وتسقط كثيراً من جدارتهم، بل تصل في بعض الأحايين إلى تسفيه أفكارهم ونشاطاتهم، لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه بعد كلّ هذه التجديفات: هل كلّ من وصل إلى عضوية مجلس أدبي في أيّ ناد أدبي في المملكة قادر على أن يكون صوت المثقف والأديب؟!
لكي نجيب علينا أن نسأل هذا السؤال: هل فتحت الأندية الأدبية أبوابها في السابق لكلّ راغب في تقديم نفسه على أنّه أديب أو مثقف؟!
المتابعون عن قرب يقرّون بأنّ الأندية لم تقدّم في السّابق ما كان يُنْتَظَر منها، ودليلهم أنّها أفرزت كلّ هذه الاختلافات الكبيرة في ساحتنا، ولو كانت فعلت ذلك بشكل كامل لما كنّا اليوم أسرى نزاعات كبيرة على استحقاق العضويّة، وعدم استحقاقه، ولكانت الأعمال الثقافية والمنجزات الأدبية التي قدّمت من خلال هذه الأندية قادرة على التعريف بالأديب والمثقف، ولما كنّا اليوم نهباً لتكتلات غير أدبية في عضوية مجالس أدبية!
اليوم وبعد انتهاء الانتخابات الأدبية علينا أن نحتمل هذه النتائج بأشكالها المختلفة، لكنّ علينا أن نقوّي من دور الجمعيات العموميّة، وفق الصلاحيات التي منحت لها، ليس شرطاً أن ينتظر المنتسبون لهذه الجمعيات الاجتماعات السنوية أو النصف سنوية، لكنّ عليهم أن يقتربوا أكثر من الأندية، وأن يراقبوا عملها بشكل كامل، وأن يُسْمِعوا أصواتهم، واعتراضاتهم إلى هذه المجالس، من أجل أندية، تفتح أبوابها لمن هو قادر، وتتعاون مع من وُجِدت لديه فكرة أو مشروع أو تجربة أو نتاج أدبي.
يحدونا أمل كبير في دور هذه الجمعيات العمومية الفاعل، بعد هذه البوادر الطيبة التي بدأها المعنيون في أدبي الأحساء، وكذلك في مكة المكرّمة، ودور الجمعية العمومية في أدبي الطائف، وما زال لدينا أمل كبير ـ باتساع هذا الوطن ـ في أدوار أخرى مماثلة في أدبي أبها الذي تفاجأت كما تفاجأ معي آخرون بأنّ أعضاء مجلسه الجديد ما زالوا في غياب عن النادي وأحداثه! ولعلّ زيارة السفير الأميركي للنادي الأسبوع الماضي كشفت لنا شيئاً من ذلك الغياب، إذ لم يكن في استقباله غير أعضاء من المجلس السابق!
لن تُفْسِد علينا أخطاء مجالس الأندية السابقة ـ المتعمدة وغير المتعمدة ـ متعة أن تكون الأندية مجالس للأدباء والمثقفين في ظلّ هذا الحراك المدني الذي تكفله لنا عضويات الجمعية العمومية، ولن تكون أخطاء المجالس السابقة في حقّ الأدب والأدباء حجر عثرة في طريق الجادين في حراك ثقافي وأدبي منتظر.
صحيح أن أخطاء تلك المجالس كبيرة، يكفي أنّهم أدخلوا إلى هذه الأندية ومجالسها أسماء كثيرة لا علاقة لها بالأدب ولا بالثقافة، ولا مهمّة لديها في تلك الانتخابات إلاّ إيصال أسماء معينة إلى دفّة القيادة، في صورة أظهرت الأندية وكأنها مختطفة من أهلها الأدباء والمثقفين!
أعلم الكثير من أسرار تلك المجالس السابقة، وأعلم أنّ أحد أنديتنا الأدبية قدّم الكثير من الاستثناءات بجهد شخص أو شخصين بأن أدخل أسماء لا علاقة لها بالأدب وشؤونه إلى الجمعية العمومية الجديدة، ولو كان يملك لقدّم تلك الأسماء إلى عضوية المجلس الجديد!
يكفي أن نقرأ اليوم الكثير من هذه الأخطاء الفادحة التي ارتكبت في حق أنديتنا، لكي نجتهد أكثر في تحسين أعمالها بشكل يكفل لنا أن تبقى هذه الأندية مسكن الأدباء وموطن المثقفين!
ويكفي أكثر أن نقرأ اليوم في كل صحيفة تعرية فعليّة لأخطاء المجالس السابقة في انتساب عضو في الرياض لمجلس إدارة في الطائف! وعن بوادر حراك لإقالة رئيس نادي مكة من قبل أعضاء المجلس، وأن نقرأ الكثير من الملحوظات التي سجّلها متابعون عن أهميّة أن يكون عضو المجلس زاهداً في العضويات الأخرى، وأن يهب من وقته الكثير لهذه الأندية ونشاطاتها، وفعالياتها، دون الجمع بين أكثر من عضوية، وإدارة، كجمعيات خيرية، أو مجالس بلدية!
وكم هو جميل أن تطّلع مجالس الأندية الأدبية على تلك الملحوظات والمتابعات، فتستفيد ممّا يطرح من نقد هادف وبنّاء، وتأخذ ما يعجبها من أفكار ومقترحات، وتتجاوز عن تلك التي لا تستطيع فعلها، أو لا تتناسب مع طبيعة عملها.
بقي أن أشير إلى أنّ متابعة هذه التجاوزات وإبرازها بهذا الشكل قادرة على أن تعيد هذه اللائحة التي اجتهد في صناعتها أناس ـ لا علم لدينا عن نواياهم ولا أهدافهم ـ إلى الأدباء والمثقفين، فيكونون أمام هذا الاختبار الفعلي قادرين على أن يرسموا للأدب في بلادنا طريقه، وللمثقفين فيه دورهم المنتظر.