النقص والضعف طبيعة بشرية متأصلة، انظر لقوله تعالى {وخلق الإنسان ضعيفا}؛ ضعيف في عزيمته، وفي نفسه، وفي همته، هذا الإنسان الضعيف يتأثر بكل ما حوله، وإيمانه وأفكاره متغيرة، وهمته تزيد في فترات وتنقص في فترات أُخرى.

أنظر إلى هذا الحديث الذي يفسر هذه الطبيعة بوضوح؛ قال عليه الصلاة والسلام: «كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاء، وخيرُ الخطَّائين التوَّابون»، وفي حديث آخر عن أبي ربعي حنظلة بن الربيع الأسيدي، أحد كتاب الوحي، قال: لقيني أبو بكر رضي الله عنه، فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قلت: نافق حنظلة! قال: سبحان الله ما تقول؟! قلت: نكون عند رسول الله ﷺ يذكرنا بالجنة والنار كأنا رأي عين فإذا خرجنا من عند رسول الله ﷺ عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرًا، قال أبوبكر رضي الله عنه: فوالله إنا لنلقى مثل هذا - والمعنى أنهم عند خلطتهم لأزواجهم ومشاغل الحياة والأبناء تناسوا ماكانو عليه وما ذكرو به وقَلَ إيمانهم وتغير حالُهم واستحضارهم لمشاهد الجنة والنار - يكمل فيقول: فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله ﷺ، فقلت: نافق حنظلة يا رسول الله! فقال رسول الله ﷺ: وما ذاك؟ قلت: يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي العين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرًا. فقال رسول الله ﷺ: «والذي نفسي بيده، لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، لكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات». وساعة وساعة بمعنى قوله عليه الصلاة والسلام: «سدّدوا وقاربوا».

هذا الضعف العارض يجب أن لايؤخذ على الإنسان على حساب سمعته والنظرة إليه، أنا هنا لا أسوق الآيات والأحاديث لأبرر لنفسي ولكم الوقوع في المعصية؛ بل لألفت نظر القارئ العزيز من مُربي، وفرد من أفراد المجتمع المسلم أن لا يحزب الناس ولا يقسمهم إلى صالح وفاسد «مطوع وداشر»، هذه التقسيمات لها أبعادها النفسية في نفس المخطئ.


لنتذكر ونستحضر مشهدًا قد نكون شاهدناه جميعًا لشاب مسلم وقع في معصية لا تخرجه من الملة، وعلم محيطه القريب بذلك، أنظر إلى طريقة التعامل التي ستختلف عن ما كانت عليه في السابق، إلى التلميحات، وإلى الألقاب التي ستحيط به من كل جانب، مع أنه يريد الرجوع والتوبة، لكن المجتمع يقذف به بعيدًا ؛ فيقتنع مع مرور الزمن بأنه إنسان سيئ فيقوم بكل صفات هذا التشبيه، ويرتكب غير هذه المعصية؛ بسبب وضعه في هذا القالب.

لا يوجد أحد معصوم في هذا الكوكب بعد الأنبياء عليهم السلام، {فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن أتقى}، أنا هنا أدعو المجتمع للاحتذاء بقدوتنا جميعًا نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام في تعامله مع المخطئ، ونستحضر مواقف له في سيرته العطره، لننظر في قصة ذلك الصحابي الجليل الذي كان ممن آمن بنبينا الكريم عليه الصلاة والسلام بل قد يكون ممن حارب معه وناصره، كانت لدى هذا الصحابي معصية أعتاد عليها وهي شرب المسكر، وكان كثيرًا ما يُقام عليه الحد، في أحد المرات قال أحدهم: اللهم ألعنه، ما أكثر ما يؤتى به، قفال عليه الصلاة والسلام: «لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله»، وفي مشهد آخر يأمر النبي عليه الصلاة والسلام بجلد رجل شرب الخمر فلما انتهوا من إقامة الحد عليه قال أحدهم: أخزاك الله !، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «لا تقولو هكذا ؛ لا تُعينوا عليه الشيطان».

أيها الآباء والأمهات لا تُعينوا الشيطان على أبنائكم، لا تَنفِروا منهم بمجرد وقوعهم في الخطاء، قدموا لهم النصح بالحسنى، بل حسيسُهم بأن مكانتهم عالية، وذواتهم صالحة، ولا تلحقوا بهم العار، والخزي وتذكرونهم بما فعلوا.

وأقول للمخطئ باب التوبة مفتوح، وإصلاح النفس مقدور عليه بمشيئة الله، بل تنبه قد تكون ممن حُزب وصُنف؛ فضاق عليه الأمر، وأسهب في العصيان وأذكر نفسي وإياك بقوله تعالى {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم}، ولنعلم أن النقص والخطأ طبيعة بشرية، والقلوب بين يدي الرحمن فلندعه، والمؤمن أواب، راجع لربه، مستغفرٌ على الدوام.