وعلى الصعيد الشخصي، كانت لي تجربة كمراقب ورئيس لفريق المعتقلين وحقوق الإنسان ضمن بعثة المراقبين العرب التي أُرسلت إلى سوريا بداية الأزمة السورية بموجب مبادرة من جامعة الدول العربية، وكان الهدف الأساسي منها مراقبة الوضع على الأرض وتقييم مدى التزام الأطراف بتنفيذ بنود خطة العمل العربية التي وافقت عليها الحكومة السورية. وجاءت هذه البعثة في وقت مبكر من الأزمة، عندما كانت المظاهرات والاحتجاجات السلمية تواجه قمعًا عنيفًا، حيث عملت وزملائي المراقبين في الفريق على توثيق الانتهاكات الجسيمة التي تعرّض لها المدنيون والمعتقلون. تلك المهمة أظهرت لي عن قرب معاناة الشعب السوري وتحديات العمل الحقوقي في مناطق النزاع، حيث برزت انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، بدءًا من القصف العشوائي على المناطق السكنية، وصولًا إلى الاعتقالات التعسفية والتعذيب في السجون.
ورغم الصعوبات التي واجهناها، وتعقيد المشهد الأمني، فإن التجربة كانت فرصة لتسليط الضوء على هذه الانتهاكات وإيصال صوت الضحايا إلى المحافل الدولية. وتُعتبر حقوق الإنسان حجر الأساس في أي حل سياسي مستدام للأزمة السورية. لذلك فإن التجاهل الذي كان النظام السوري السابق يتعامل به مع الجهود العربية المخلصة التي حاولت بشتى السبل إيجاد حلول سلمية للأزمة هو الذي قاد المملكة إلى سحب المراقبين السعوديين من البعثة العربية في سوريا. والمملكة لم تكتفِ بالمواقف الدبلوماسية، بل قدّمت مبادرات إنسانية ملموسة لدعم الشعب السوري. فكانت من أوائل الدول التي سارعت إلى تقديم المساعدات الإغاثية والطبية، وأطلقت مبادرات لتعزيز الاستقرار في المناطق المحررة، مؤكدة التزامها الثابت بمبادئها الإنسانية. هذه الجهود تنبع من رؤية شاملة تسعى إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي وحماية حقوق الإنسان، بما يتماشى مع الدور الريادي للمملكة في العالم العربي والإسلامي.
الأزمة السورية ليست مجرد اختبار لقدرة المجتمع الدولي على مواجهة النزاعات، بل هي أيضًا اختبار لالتزام العالم بدعم وحماية حقوق الإنسان وفق معايير ثابتة وغير مزدوجة ومن هذا المنطلق، يبقى دعم المملكة للشعب السوري نموذجًا يُحتذى به في تعزيز قيم العدالة والإنسانية.
وإن استمرار هذا الدعم، مقرونًا بجهود دولية صادقة، كفيل بأن يفتح نافذة أمل نحو مستقبل أفضل لسوريا وشعبها، حيث ينعمون بالحرية والكرامة التي طالما طالبوا بها. والمملكة عندما تفعل ذلك فإنها لا تنطلق إلا من مكانتها الرائدة التي تدركها جيدا بوصفها الشقيقة الكبرى لجميع الدول العربية والإسلامية، لذلك لم تتأخر عن مد أياديها الخيرة لأبناء الشعب السوري الذين اختاروا العيش في أراضيها، حتى الذين بقوا في وطنهم ظلت المساعدات السعودية تصلهم بانتظام طيلة السنوات الماضية.
وبمجرد انتهاء عهد الاستبداد فقد سارعت المملكة أيضا لتكون من أوائل دول العالم التي أعلنت الوقوف إلى جانب الشعب السوري وخياراته الجديدة، وحمل بيان وزارة الخارجية الصادر في 8 ديسمبر 2024 تأييد الرياض لخياراته وتطلعها بأن ينعم بالحياة الكريمة التي ينشدها.