أشكر الشرق الأوسط على لقائها بالقائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، قرأته وكلي عطش لهذا النوع من الأسئلة المباشرة بشأن أمننا في المشرق العربي وتفاجأت بالأدرينالين يرتفع عندي لقراءة إجابة السيد الشرع على سؤال السيدة بيسان: (تحدثتم عن مؤتمر حوار وطني أو لقاء وطني جامع ودستور يؤسس للمرحلة الجديدة في سوريا، ولكن ما هي الآلية التي ستعتمدونها وكيف ستؤمنون تمثيل كافة أطياف الشعب السوري، خصوصاً شريحة من قاعدتكم الشعبية والعسكرية التي قد لا تكون بالضرورة موافقة على خطابكم المعتدل؟) طبعاً الجزئية الأخيرة في سؤال الشرق الأوسط هي زبدة (القلق الوجودي) منه وعليه، رغم أنه في إجابته استنكر خاتمة سؤالها قائلاً: (قد لا أتفق معك بالجزئية الأخيرة، ولكن بشكل عام أنا لا أريد أن أفرض آرائي الشخصية على السوريين، بل أترك ذلك لأصحاب الخبرة والاختصاص من القانونيين ليكون القانون هو الحد الفاصل في صياغة العلاقة بين الناس، لا يمكن أن نتوقع بلداً بحجم سوريا وثرائها بمكوناتها المختلفة وأن يسودها رأي واحد....).

لماذا قلت إن هذا السؤال بجزئيته الأخيرة هو خلاصة (القلق الوجودي) منه وعليه؟ لأن التاريخ السياسي يؤكد لقارئه أن (القلق من) وجه قديم اسمه الجولاني و(القلق على) وجه جديد اسمه أحمد الشرع مبني على ما يعرفه المختصون عن طبيعة الحركات الأيديولوجية (الشمولية) يميناً ويساراً، ولنبدأ فيها بحيثيات (القلق من):

لنقرأ هذه الإجابات التي نشرها الإعلام الغربي على لسان قائد الإسلام السياسي المقيم في فرنسا عام 1978م : (نحن أنصار نظام الحرية المطلقة، نظام إيران القادم سيكون نظاماً حراً... سنحترم جميع الحقوق الإنسانية، كما ستحترم حقوق الأقليات الدينية بشكل كامل... دولتنا ستبقى على الحياد الكامل في ما يخص النزاع العربي الإسرائيلي... ستكون الحكومة الإسلامية حكومة ديمقراطية بما تحمله الكلمة من معنى... لا يجب شتم المساجين والمدانين وصفعهم... المرأة مساوية للرجل في الجوانب السياسية والاجتماعية، ولها الحق في المشاركة، وفي ما يخص تشكل الحكومة فللمرأة الحق مثل الرجل في التصويت والترشح، وهم متساوون بشكل كامل) راجع ص171، 172 من كتاب (الخميني في فرنسا: الأكاذيب الكبرى والحقائق الموثقة) لهوشنك نهاوندي، ترجمة وإصدار: مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية.


ما ذكرته أعلاه ليس تحاملاً على السيد أحمد الشرع، وإنما أحاول أن لا أقع في ما أفرد له مؤلف الكتاب السابق فصلاً بعنوان: (معبود اليساريين والسُذَّج) ويقصد بذلك التزكيات التي أسبغها جمع من المفكرين الكبار على الثورة الإيرانية وزعيمها مثل «ميشيل فوكو، جان بول سارتر، سيمون دي بوفوار، روجيه غارودي، حتى داريوش شايغان انجرف فاعتبر الخميني عبر مقال له في مرتبة غاندي»، منهم من اعتذر وتراجع ومنهم من راهن على ذاكرة السمكة عند الشعوب، راجع ص180 وما بعدها، ولهذا تبعهم أيضاً عرب كثر، أشهرهم طبعاً (ياسر عرفات، محمد حسنين هيكل، يوسف القرضاوي، أدونيس...) وقد اعتذر القرضاوي في آخر حياته عن تعلقه بإيران، وتراجع أدونيس بمقاله في الثمانينيات عن (الفقيه العسكري)، ولكنه لم يقل شيئا (ذا بال) بخصوص (ابن العسكري) في سوريا عندما سحق شعبه؟! أما داريوش شايغان فيكفي كتابه (ما الثورة الدينية؟) ليغفر له مقالته ولتؤكد نضج تجربته.

والآن أتطرق لحيثيات الزاوية الأخرى وأقصد بها (القلق على) الوجه الجديد للسيد أحمد الشرع: فإن صدقت أفعاله كل أقواله التي أوضح فيها أن القانون هو المرجع وفق ما يصطلح عليه كل السوريين وفق دستور.... الخ، فقلقي عليه نابع من بعض الكوادر المحيطة به الذين لا يملكون مستواه (المرتب) في التعاطي مع الإعلام، بل إن بعضهم يحمل مخرجات متشددة ترى في الإعلامية (المرأة) مجرد أنثى يجب صرف النظر عنها أثناء الحديث كما حدث في لقاء أحدهم، عاجزاً عن النظر لها بصفتها إعلامية تؤدي واجبها المهني، إضافة إلى حادثة حرق شجرة عيد الميلاد... التي تمت معالجتها بشكل معقول لطمأنة السوريين المسيحيين، فهل هذه النوعية المحيطة به ضامنة لما هو مطلوب منه مستقبلاً من (حياد رجل الدولة) فيكون (لكل السوريين) ولنضعه تجوزاً أو جدلاً بمستوى (المهاتما غاندي) إن صدق، فهل نجاح غاندي منع متطرف هندوسي من بني جلدته أن يغتاله، وهذه خلاصة (القلق على) الوجه الجديد للسيد أحمد الشرع (إن صدق).

أما خلاصة الفرحتين: فإن كل الداخل السوري (حتى الآن) لم تظهر فيه (النخبة السياسية) بل الظاهر حتى الآن قادة ميليشيا وفصائل تم تسييسهم وترتيب (هندامهم) في المطبخ التركي (على عجل)، استباقاً وهروباً للأمام كي لا تنظر على يسارها إلى (مجلس سوريا الديمقراطية) المهيمن عبر ذراعه العسكرية (قسد) على مكمن الثروات (نفطاً وسلة غذاء) شمال شرقي سوريا، وهنا نصل إلى فرق بنيوي في نوع (فرحة الشعب السوري)، فنقول: نعم... سوريا (تحررت/ Liberation)، ولكنها حتى الآن لم تعش (الحرية/ Freedom)، والفرحة السورية بالمعنى الأول Liberation فرحة مراهقة تقبل بنشوة (عقد زواج مؤقت) لا يشترط نفقة ويكفيه (ولي تركي) وشاهدين يكتمان السر، أما الفرحة للمعنى الثاني Freedom ففرحة ناضجة حكيمة لا تقبل إلا (عقد اجتماعي) معلن كامل الأركان بنية الديمومة.

وأختم بمفارقة تصفع (الشعاراتيين يميناً ويساراً) فالديمقراطية بنية اجتماعية قبل أن تكون نظرية دستورية حيث نصَّ الدستور السوري الصادر إبان حكم بشار الأسد في مادته الثالثة على أن: (دين رئيس الجمهورية الإسلام، وأن الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع) ولبشار الأسد كلمة باليوتيوب عنوانها (هل يمكن فصل الدين عن الدولة) يستنكر فيها المطالبة بالعلمانية؟! بينما ينص (الدستور التركي) في المادة الثانية على أن: (الجمهورية التركية جمهورية ديمقراطية علمانية اجتماعية)، ولأردوغان لقاء مع تركي الدخيل يدافع عن علمانية الدولة، ولهذا فالأيديولوجيا الشمولية متغولة على السلطة سواء جاءت بلسان (ميشيل عفلق، سيد قطب، الخميني، خالد بكداش) كما تتغول الأناكوندا جسد ضحاياها قبل ابتلاعهم.