بدأت فكرة الشرطة في الإسلام مع ظهور الدولة الإسلامية ككيان يسعى لحفظ الأمن وضمان العدل، وظهر هذا جليًا في اهتمام سيدنا أبي بكر الصديق باستتباب الأمن ونشر الطمأنينة، حيث أمر سيدنا عبدالله بن مسعود بالطواف ليلًا في أزقة المدينة المنورة، كما حرص سيدنا عمر بن الخطاب على العسّ بنفسه ليلاً، متنقلًا بين البيوت بعد استئذان أهلها، وذلك لتفقد أحوالهم ورعاية شؤونهم.

وفي عهد سيدنا عثمان بن عفان، عُيّن سيدنا عبدالله بن قنفذ التيمي كأول «صاحب للشرطة»، أما سيدنا علي بن أبي طالب، فقد اعتنى بتنظيم الأمن بشكل خاص، حيث عهد إلى رجال أكفاء معروفين بالتقوى والصلاح والقوة والرحمة، ومنهم سيدنا قيس بن سعد الأنصاري، وسيدنا معقل بن قيس الرباحي، وسيدنا أبي الهياج الأسدي، بالقيام مثل من سبقهم بتكليفات أمنية وتنظيمية محددة، كحفظ النظام في الأسواق، وحماية الحقوق.

مع مرور الزمن، أصبحت الشرطة مؤسسة رسمية ذات تنظيم واضح، يقودها «صاحب الشرطة»، المسؤول عن حفظ الأمن، حيث كان جهاز الشرطة مرتبطًا بالنظام القضائي، ويساعد القضاة في تنفيذ الأحكام الشرعية وإقامة الحدود؛ كما وصف عالم الاجتماع المعروف ابن خلدون هذه الوظيفة في الفصل الرابع من «تاريخه» قائلاً عنها: «وظيفة مرؤوسة لصاحب السيف في الدولة، وحكمه نافذ في صاحبها في بعض الأحيان، وكان أصل وضعها، في الدولة العباسية لمن يقيم أحكام الجرائم في حال استبدادها أولا ثم الحدود بعد استيفائها؛ فإن التهم التي تعرض في الجرائم لا نظر للشرع إلا في استيفاء حدودها، وللسياسة النظر في استيفاء موجباتها بإقرار يكرهه عليه الحاكم إذا احتفت به القرائن لما توجبه المصلحة العامة في ذلك؛ فكان الذي يقوم بهذا الاستبداد وباستيفاء الحدود بعده إذا تنزه عنه القاضي يسمى صاحب الشرطة».


حديثًا، ومواكبة لمواصلة الشرطة في أداء دورها المحوري في حماية المجتمعات وتعزيز الاستقرار، يتم الاحتفاء بيوم الشرطة العالمي في 7 سبتمبر سنويًا.

ويحتفل العالم العربي بيوم الشرطة العربية في 18 ديسمبر كل عام، تقديرًا للجهود الأمنية الكبيرة التي تُبذل للحفاظ على الأمان، وتسليطًا للضوء على دور الشرطة في ضمان سلامة الأفراد واستقرار المجتمعات؛ وكان جميلاً للغاية مشاركة «وزارة الداخلية» في مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل بمسيرة أمنية استثنائية، بهذه المناسبة، استعرضت خلالها تطور قطاعات الشرطة، وقدرتها على التكيف مع متطلبات العصر.

دور الشرطة لم يعد مقتصرًا على مكافحة الجريمة وحفظ النظام، بل تعدى للوقاية من الجرائم باستخدام تقنيات حديثة وبرامج توعية، والتركيز على بناء جسور الثقة مع المجتمع، عبر مبادرات إنسانية وخدمات مجتمعية متنوعة، وأصبح واضحًا كيف يمكن للمؤسسات الأمنية أن تسهم في تعزيز الهوية الوطنية، بجانب دورها في حفظ الأمن، وركيزة من ركائز الاستقرار.

وفي هذا الصدد أتى ويأتي الاحتفاء بيوم الشرطة العربية بمثابة تنويه جميل بأهمية هذه المؤسسة ودورها الجوهري في الحياة، وتذكير كريم بجهود رجال الأمن البواسل، والعيون الساهرة، في استقرار الوطن وطمأنينة المواطن.. نسأله تعالى أن يوفقهم ويقويهم، ويجزيهم خيرًا على ما يقدمونه في خدمة البلاد والعباد.