التقيت أحد الزملاء في مناسبة اجتماعية، وبعد حديثنا الودي وتجاوزًا للحظة الصمت الغريبة في المحادثة لا شعوريا سألته وبمجاملة فاضحة «ما شفناك في المؤتمر الفلاني؟»! قال وبتذمر وبإحباط ردًا على سؤالي، فعلًا لم أحضر لأنني لم أتلقَ دعوة كبار شخصيات «VIP». للوهلة الأولى، كنت أنتظر ابتسامة بمعنى «أمزح معك»، لكنه كان مصرًا على هذا الرد، وبالفعل لم يحضر فقط لأنه لم يتلقَ دعوة خاصة!

هذا الموقف لم يكن الوحيد لي في الفترة القريبة الماضية. بالفعل أكثر من شخص يمتنع عن الحضور إضرابًا ورد فعل، فقط لأنه لم يتلقَ تلك الدعوة الساحرة. يسعى كثير من الناس إلى التميز وعيش حياة «VIP» أو الظهور بمظهر خاص واستثنائي.

ومثلما ذكرت في البداية، قد يكون هناك من يتعذر بعدم الحضور لمجرد أنه لم يتلق دعوة، كنوع من محاولة إبراز الذات أو الشعور بالخصوصية. هذا السلوك يعكس التوجه المتزايد نحو حب التميز والمكانة الاجتماعية في المجتمع.


بلا شك مواقع التواصل الاجتماعي أسهمت بشكل كبير في تعزيز هذه الفكرة، حيث أصبح الناس يحرصون على مشاركة لحظات حياتهم الفاخرة أو الاستثنائية، حتى لو كانت على حساب البساطة أو الواقع الحقيقي. ومع الأسف هذا الأمر يجعل هدفهم بالحصول على تلك الدعوة يمر بسلسلة مواقف تهز من صورتهم أمام أنفسهم أولًا والمجتمع المحيط كذلك. من الطلب والإلحاح والإصرار للحصول عليها. ثم الحصول على ملحقاتها من مسار دخول ونوعية دعوة وإذا كان هناك خدمة صف سيارات.

السعي وراء «حياة الـVIP» هو جزء من التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي يشهدها العالم اليوم، مدفوعة بعدة عوامل لعل أبرزها وأهمها تأثيرًا وسائل التواصل الاجتماعي، إذ أصبحت منصات لإبراز حياة مثالية، حيث ينشر الناس صورًا ومقاطع توحي بالرفاهية والتميز. هذا يولد ضغطًا اجتماعيًا على الآخرين لمحاكاة هذه الحياة، حتى وإن كان ذلك بشكل مُبالغ فيه أو غير واقعي. كذلك الإحساس والرغبة في التميز والشعور بالأهمية. فبشكل طبيعي، يبحث الإنسان عن التقدير والشعور بالانتماء. لكن مع تزايد المنافسة الاجتماعية، أصبح البعض يعتقد أن التميز يكمن في الظهور بمظهر خاص أو «غير عادي»، مثل التفاخر بدعوات حصرية أو الوجود في أماكن لا يستطيع الجميع الوصول إليها.

لعلي أبرز هنا مصطلح يشرح الحالة ألا والـ«FOMO» أو «Fear of Missing Out» بمعنى (الخوف من فوات الفرصة) يصف الحالة التي يشعر بها الفرد عندما يرى الآخرون يعيشون تجارب خاصة بينما هو بعيد عنها. هذا الشعور يحفز الناس على السعي للمشاركة في أي فعالية أو تجربة «VIP» حتى لا يشعروا بالإقصاء.

من الضروري تعزيز ثقافة القناعة والاعتزاز بالبساطة والعيش الواقعي، والابتعاد عن هوس المقارنات الاجتماعية. السعادة الحقيقية تأتي من التجارب الصادقة، والعلاقات الحقيقية، وليس بالضرورة من نمط الحياة الذي نراه على الشاشات. والأهم من هذا كله لا تصبح مظاهرك طاغية على جوهرك.