تمثل مؤسسة «هيفوليوشن» إحدى المبادرات غير الربحية الطموحة التي أطلقها سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والتي تعكس رؤيته الاستثنائية والإستراتيجية للمستقبل. وتسعى المؤسسة لأن تكون نقطة تحول وقوة دافعة في مجال علمي جديد ومثير يتعلق بإطالة العمر الصحي للإنسان ومكافحة الشيخوخة، وهو مجال يعد أحد أهم اتجاهات العلم والطب الحديث.

إنشاء «هيفوليوشن» يُعد تجسيدًا لرؤية سمو الأمير محمد بن سلمان الإستراتيجية لبناء مستقبل أفضل للبشرية، وهذه المبادرة تعكس إيمان سموه بأهمية تمكين البحث العلمي وتعزيز الابتكار في مجالات جديدة ومؤثرة عالميًا، وتأتي هذه الخطوة ضمن مساعي المملكة لتحقيق مكانة رائدة عالميًا، ليس فقط في الاقتصاد والطاقة، ولكن أيضًا في العلوم الحيوية والتكنولوجيا الطبية.

إطالة العمر الصحي شهدت نقلة نوعية في حياة الإنسان، فالعمر المتوقع للإنسان شهد زيادات ملحوظة بفضل التطورات الطبية والعلمية. ففي المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، ارتفع متوسط العمر المتوقع من حوالي 48 سنة في عام 1965 إلى 75 سنة حاليًا، ومع توقعات بأن يصل إلى 80 سنة خلال السنوات المقبلة، والعلماء حول العالم يسعون لأن يكون العمر المتوقع للإنسان خلال العقود المقبلة إلى أن يصل 120 سنة، وهذا التقدم يعكس التحسن الهائل في الرعاية الصحية وتطور الأبحاث الطبية.


وتتجاوز هيفوليوشن مجرد إطالة الحياة الزمنية إلى التركيز على «إطالة العمر الصحي»، أي السنوات التي يعيشها الإنسان بصحة جيدة وجودة حياة عالية، وهذا يمثل نقلة نوعية، حيث يُركز على تأخير ظهور الأمراض المرتبطة بالشيخوخة بدلاً من علاجها فقط.

«هيفوليوشن» ليست مجرد مؤسسة بحثية؛ بل هي منصة متكاملة تهدف إلى:

1. رفع الوعي المجتمعي بأهمية إطالة العمر الصحي.

2. دعم الأبحاث العلمية، سواء المحلية أو الدولية، لتطوير هذا المجال الواعد.

3. إنشاء مرجعية علمية لقيادة وتنسيق الجهود البحثية في مجال مكافحة الشيخوخة، وغيرها الكثير من الأهداف.

لعقود طويلة، ظل مجال إطالة العمر ومكافحة الشيخوخة في منطقة رمادية، حيث استُغل بشكل تجاري في كثير من الأحيان دون أسس علمية واضحة، ومع ذلك، شهدت العقود الأخيرة اهتمامًا علميًا جادًا بهذا المجال، حيث بدأت الجامعات والمراكز البحثية الكبرى بإنشاء برامج أكاديمية ودراسات متقدمة لتطويره على أسس علمية، وكعلم جديد نسبيًا احتاج وقت وجهد ليتبلور بصورة مستقرة، وكمثال اذكر أننا قبل سنوات كونا فريق من الخبراء من 10 دول حول العالم حتى نضع برنامجنا علمي متكامل للدراسات العليا لتخصص إطالة العمر الصحي ومكافحة الشيخوخة، ولكن خلال السنوات الأخيرة، شهد العالم طفرة في الأبحاث الجادة التي تقودها كبرى الجامعات والمراكز البحثية.

وتعد «هيفوليوشن» خطوة متقدمة لتوحيد هذه الجهود في المملكة العربية السعودية والمنطقة وودوليا وإعطاء زخم جديد لهذا العلم.

ما يميز مجال إطالة العمر الصحي أنه علم متداخل ويدمج بين عدة تخصصات، منها:

علوم الجينات وما فوق الجينات، التي تدرس كيفية تأثير العوامل الجينية وفوق الجينية على التعبير الجيني.

علوم البروتينات، لفهم كيفية تأثير البروتينات على صحة الخلايا.

الخلايا الجذعية والتعديل الجيني، والإيكسوزومات.

علوم الغدد الصماء والهرمونات، التي تلعب دورًا حاسمًا في تنظيم العمليات الحيوية.

الطب الباطني، الأدوية، والمكملات الغذائية. علوم الطب والصحة النفسية

والتغذية والرياضة والتجميل.

هذا التنوع يجعل من هذا المجال منصة شاملة يمكن أن تحدث ثورة علمية وصحية.

ومن المفاهيم الأساسية التي يحث عليها العلم الحديث التفريق بين «العمر الزمني» و«العمر البيولوجي»، العمر الزمني هو عدد السنوات التي عاشها الإنسان، بينما العمر البيولوجي يعتمد على حالة خلايا الجسم، وقد يكون العمر البيولوجي أقل من الزمني إذا اتبع الإنسان نمط حياة صحي، أو قد يكون أكبر نتيجة الأمراض والضغوطات.

«هيفوليوشن» تعمل على تعزيز هذه المفاهيم من خلال دعم أبحاث وتقنيات تركز على تقليل العمر البيولوجي وتحسين جودة حياة الإنسان.

وربما نتصور الدور المهم لـ«هيفوليوشن» في تشكيل مستقبل هذا التخصص، فهي تمتلك «هيفوليوشن» إمكانات هائلة لتكون السفينة القائدة (Flagship) لهذا العلم. ويمكن أن تسهم في:

إنشاء مركز بحثي متقدم تحت مظلتها، ليكون المرجع العلمي الأول في المنطقة.

دعم الأبحاث والتجارب السريرية الرائدة التي تهدف إلى تحقيق اختراقات علمية.

تقديم توصيات لسياسات وتشريعات تدعم تطوير هذا المجال على المستوى المحلي والدولي.

بناء نظام بيئي (Ecosystem) شامل يجمع بين الباحثين، الأطباء، والقطاع الخاص لتعزيز الابتكار.

تسريع السياسات والتشريعات لدعم الابتكار والانتشار في هذا المجال، ونعلم أن «هيفولوشن» ليست مشرعًا لكن بما لديها من إمكانات فربما تكون مساندًا ومؤازرًا لاقتراح وتسريع السياسات والتشريعات في هذا المجال.

لا شك أن تأثير «هيفوليوشن» سيمتد ليشمل المنطقة والعالم وستكون المؤسسة منارة علمية تقود البشرية نحو تحسين جودة الحياة وإطالة العمر الصحي، كما أن هذه المبادرة ستضع المملكة في مقدمة الدول التي تقود هذا المجال، مما يعزز مكانتها العلمية والابتكارية.

ختامًا إن تأسيس «هيفوليوشن» يمثل لحظة تاريخية للمملكة والمنطقة بفضل رؤية سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ستصبح «هيفوليوشن» رائدة في مجال إطالة العمر الصحي، وستسهم في رسم مستقبل جديد للبشرية، ونحن متفائلون بأن نرى أثرها قريبًا على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، ونتمنى لها النجاح في تحقيق أهدافها الطموحة.