كان والدي دائمًا يعاتبني إذا كان لي ظهور تليفزيوني دون أن أخبره. وكان يطلبني رابط مقطع الفيديو بعد الظهور ويتأمل كل جملة لي وكأنه إنجاز يستحق الاحتفال. لم يكن ناقدًا أدبيًا، لكنه كان الناقد الأقرب إلى قلبي، الذي لا يرى سوى الجانب المشرق في محاولاتي. كل مرة أنتهي فيها من نشر مقال أو اجتماع مع المسؤولين أو ظهور إعلامي، كنت أهرع إليه وكأنني طفل ينتظر كلمة «أحسنت». كان صوته يشبه الموسيقى التي تُعيد ترتيب حماسي وأحلامي.
اليوم، وأنا أكتب هذا المقال، أشعر بغياب لا تملؤه الكلمات. الورقة خالية إلا من ذكراه، والقلم ثقيل كأنه يرفض أن يتحرك دونه. كل جملة أكتبها تُعيدني إلى حواراتنا، إلى نصائحه، وإلى الأيام التي كنت أرى في عينيه فخرًا أكبر مما أستحق. كان يقول لي دائمًا: «استمر، وبلهجته البسيطة» شد حيلك «فمكانتك رفيعة وجهودك ستقودك إلى مكان عظيم»، وها أنا أحاول أن أستمر رغم كل شيء.
فقدان الأب ليس كأي فقد، فهو فقدان السند، واليد التي تمتد لتسندك حين تتعب، وهو النور الذي يضيء طريقك، حتى لو كنت تائهًا. ومع ذلك، أجد في نفسي القوة التي زرعها فيّ. أبي لم يكن مجرد والد، بل كان المعلم والداعم والصديق. واليوم، وأنا أكتب دون أن أسمع صوته، أكتب له، أكتب عنه، وأكتب امتنانًا لكل ما تركه لي من حب وذكريات.
ربما تكون هذه الكلمات مختلفة، وربما يشعر من يعرفني أن شيئًا ما قد تغير، وهذا صحيح. الكتابة بعد الفقد ليست كالسابق، لكنها أصبحت تحمل مسؤولية أكبر: مسؤولية أن أكتب له، وأن أكتب لأنه آمن بي حتى وهو غائب.
في النهاية، هذا المقال هو رسالة امتنان لروحه، محاولة ضعيفة لأقول له: «شكرًا يا أبي، أعدك بأن أكمل الطريق الذي رسمته لي، وسأكتب دائمًا لتكون فخورًا بي كما كنت في حياتك».
إلى أبي الذي لن يغيب أبدًا عن قلبي... ستبقى كلماتك نورًا أستدل به كلما شعرت بالضياع.