ومازلت أطرح هذا السؤال.. هل مازال مجتمعنا يعيش بلا تخطيطٍ تربوي واضح الملامح في كل اتجاهاته وأوقاته؟.. مردوفاً بآخر.. ولماذا مجتمعنا يغرد وحيداً عندما يرى الإجازة السنوية شكوى ووقعاً له اختلافاته كل عام؟ أولسنا نراها هماً سنوياً جديداً نستقبلها كضيفٍ ثقيلٍ لا يطيقه البعض حتى أصبحت عناءً ومسؤولياتٍ إضافية بأعباءٍ تربوية واقتصادية واجتماعية.. ونحن جزء من التذمر والشكوى!.

وبذلك علينا ألا نتفاجأ عندما نطالع كثيراً من أخبار صيفنا الملتهب وآخر ما توصل إليه خبراء سياحتنا و"نُفضاء" المال والترفيه السياحي من إنجازات جعلتها تميزاً يطارد أسرنا وأبناءنا ومستقبلهم، وحالهم يقول الجيب أولاً ومن خلفي التراب حتى لو كان بحجم الوطن وطهر أجياله!

النماذج موجودة في كل خطة لمهرجانات أمانات مدننا المتنافسة بين "غير" و"أبهى" و"وناسة" و"فلَّة" وآخرها "حشمة"!!... فكثير من برامجها للأمانة جعلت من الصيف تنافساً سنوياً بين مسميات مكرورة يقابلها ملء فراغٍ "فكري" لأبنائنا في صيفياتنا المحمومة بين الترفيه، واستنزاف أموال لا تعود نفعاً "نوعياً" نحتاجه وتحتاجه عقول المستقبل.

وفي المنعطف الاجتماعي نجد صيفنا أيضاً ارتبط بحميمية مناسبات يومية متأرجحة بين رقاع الدعوة ومناسبات "تَمْ" و"عليَّ الطلاق" دون احترام للنعمة نفسها التي أنعم الله بها علينا بدءاً من العقل والوقت والمال والتخطيط المترنح.. فلماذا لا نحترم عاداتنا وتقاليدنا دون تنفير من الحياة الإنسانية السويَّة لدرجة إخراجنا من نطاق الكرم إلى وجاهةٍ ورياءٍ وسحقٍ لمعاني الوقت وضياعه التي نرضعها أسفاً لأجيالنا؟

واقع مؤسف، مواجهته وعدم الهروب منه هو أحد الحلول العملية، فمن بدهيات العيش الكريم للأجيال القادمة ومن أساسيات الحياة الإنسانية إنقاذهم من التخطيط العشوائي والممارسات الخاطئة لبعض الجهات، لأننا إن أردنا مجتمعاً وأجيالاً تتمتع بفرض الاستخلاف الحقيقي الذي فرضه الخالق – عز وجل- في الأرض لصناعة الحياة فلن يكون إلا بإيجاد إرهاصات وأسس تقوم عليها في إنجاز فرض الالتزام أولاً نحو التخطيط والحياة وصناعة الأهداف للدين وللوطن وللمجتمع وغرسها فيهم بدلاً من ثقافة التكلس والترهل الفكري الذي تعودوه ونعيشه!.

القضية يجب ألاّ تكون صيفاً عابراً يزورنا ككل مناسبة "حوليَّة" بقدر ما هي غرسٌ جميل لأعمال نبيلة تؤسس بها النفوس منذ الصغر بالتدريب والتمرس في حياة الأسرة والمدرسة والمجتمع لتكوين عادات خلاقة بحجمهم ومستقبل وطنهم وعمقه باحتوائهم داخل الأعمال الاجتماعية وتنمية ذواتهم بتربية تتدرج معهم من صغرهم وصولاً لقناعاتهم نحو العمل.

الدول المتقدمة لم تحقق كثيراً من إنجازاتها لولا وجود برامج "مُخطط" لها جُعلت من أبجديات وأساسيات التعليم العام لتعميم قيم وثقافات إنسانية في المجتمعات مصدرها الاهتمام الجاد ونواتها المنزل والمؤسسات التعليمية لتعميق ثقافة التخطيط وصناعة الأهداف والحياة.. فهل حرصنا أولاً كآباء وأمهات وحرص المسؤولون في التعليم العام والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني والسياحة ومعهم رجال الأعمال بوطنيتهم - دون أن تئن تحت وطأة "الريال" وأصفاره - بعمل برامج تستهدف تعلم أبنائنا المسؤولية في التنمية البشرية وفروعها من برامج تطوعية ورحلات استكشافية وعلمية وتعريفهم بأهمية الأعمال الصناعية والمهنية بفروعها وتعلم مهاراتها في الكهرباء والسباكة والنجارة.. أو بمساعدتهم "فعلياً" بالالتحاق بالأعمال الوظيفية الصيفية أو بغرس التطوع ومفهومه لديهم.

هل قامت الأندية الأدبية بدورها نحو هذه الفئة؟ وهل جعلنا اكتشاف المكتبات وإثراء مهارة القراءة المنزلية بمشاركة ومناقشة الآباء وممارسة القراءة الحرة كاختيار كتاب وتلخيصه وشرحه ومناقشته، وجعلنا من محاولة الكتابة الحرة كجزء فقط من إجازاتهم..؟ هل فكرنا بزيارةٍ للجمعيات الخيرية والمساهمة في بعض أعمالها، أو بالمشاركة في برامج إطلاق القدرات وتنمية الذات ومهارات التفكير أو برامج الدفاع عن النفس وبرامج لتخفيف الوزن ولاسيما مع انتشار البدانة بدلاً من شعارات "أين تتعشى هذا المساء؟" أو حتى بتبني مشروع اقتصادي منزلي للادخار بتوزيع مسؤولية الأفراد في ميزانية المنزل، أو بعقد اجتماعات دورية أسرية، أو تكثيفٍ للتواصل الاجتماعي وزيارة الأقارب وصلة الرحم، أو بتأصيل سجل لإنجازات أطفالنا بتصميم ملف يجمع فيه إنجازاتهم وأعمالهم.. ؟

يقول جوته :"عندما نعامل الإنسان كما هو في الواقع، فإننا بذلك نجعله يبدو أسوأ مما هو عليه حقيقة، أما عندما نعامله على أساس ما سيكونه في المستقبل، فإننا بذلك ندفعه إلى تحقيق ما يصبو إليه".

وهذا ما يحتاجه أبناؤنا دائماً بدلاً من لومهم والوقوف أمامهم بتصرفاتنا معهم وبما عودناه لهم مشاركةً في جعلهم يتنفسون حتى في "إجازاتهم" بطرقٍ خانقة مترهلة وبأسماء ممجوجة لم تجعل للحشمة في عقولهم متسعا.